في شيء منها منعوه بكل ما يمكن من الحيل. وقيل: كانوا يقطعون الطريق فنهوا عن ذلك. وروي عن أبي هريرة. وعبد الرحمن بن زيد. ولعل المراد به ما يرجع إلى أحد القولين الأولين وإلا ففيه خفاء وإن قيل: إن في الآية عليه مبالغة في الوعيد وتغليظ ما كانوا يرومونه من قطع السبيل.
وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أي الطريق الموصلة إليه وهي الإيمان أو السبيل الذي قعدوا عليه فوضع المظهر موضع المضمر بيانا لكل صراط دلالة على عظم ما تصدق عليه وتقبيحا لما كانوا عليه، وقوله سبحانه: مَنْ آمَنَ بِهِ مفعول تَصُدُّونَ على أعمال الأقرب لا تُوعِدُونَ خلافا لما يوهمه كلام الزمخشري إذ يجب عند الجمهور في مثل ذلك حينئذ إظهار ضمير الثاني. ولا يجوز حذفه إلا في ضرورة الشعر فيلزم أن يقال: تصدونهم وإذا جعل تَصُدُّونَ بمعنى تعرضون يصير لازما ولا يكون مما نحن فيه. وضمير بِهِ لله تعالى أو لكل صراط أو سبيل الله تعالى لأن السبيل يذكر ويؤنث كما قيل، وجملة تُوعِدُونَ وما عطف عليه في موضع الحال من ضمير تَقْعُدُوا أي موعدين وصادين: وقيل: هي على التفسير الأول استئناف بياني، والأظهر ما ذكرنا وَتَبْغُونَها عِوَجاً أي وتطلبون لسبيل الله تعالى عوجا بإلقاء الشبه أو بوصفها للناس بما ينقصها وهي أبعد من شائبة الاعوجاج:
وهذا أخبار فيه معنى التوبيخ وقد يكون تهكما بهم حيث طلبوا ما هو محال إذ طريق الحق لا يعوج. وفي الكلام ترق كأنه قيل: ما كفاكم أنكم توعدون الناس على متابعة الحق وتصدونهم عن سبيل الله تعالى حتى تصفونه بالاعوجاج ليكون الصد بالبرهان والدليل. وعلى ما روي عن أبي هريرة. وابن زيد جاز أن يراد يبتغونها عوجا عيشهم في الأرض واعوجاج الطريق عبارة عن فوات أمنها.
وذكر الطيبي أن معنى هذا الطلب حينئذ معنى اللام في قوله سبحانه: لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً [القصص: ٨] سائر الأوجه في الكلام الحذف والإيصال.
وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا عددكم فَكَثَّرَكُمْ فوفر عددكم بالبركة في النسل كما روي عن ابن عباس.
وحكي أن مدين بن إبراهيم تزوج بنت لوط فولدت فرمى الله تعالى في نسلها البركة والنماء فكثروا وفشوا.
وجوز الزجاج أن يكون المعنى إذ كنتم مقلين فقراء فجعلكم مكثرين موسرين، أو كنتم أقلة أذلة فأعزكم بكثرة العدد والعدد. وإِذْ مفعول اذْكُرُوا أو ظرف لمقدر كالحادث أو النعم أي اذكروا ذلك الوقت أو ما فيه وَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ أي آخر أمر من أفسد قبلكم من الأمم كقوم نوح، وعاد، وثمود واعتبروا بهم وَإِنْ كانَ طائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ من الشرائع والأحكام وَطائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا به أو لم يفعلوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنا خطاب للكفار ووعيد لهم أي تربصوا لترواحكم الله تعالى بيننا وبينكم فإنه سبحانه سينصر المحق على المبطل ويظهره عليه أو هو خطاب للمؤمنين وموعظة لهم وحث على الصبر واحتمال ما كان يلحقهم من أذى المشركين إلى أن يحكم الله تعالى بينهم وينتقم لهم منهم. ويجوز أن يكون خطابا للفريقين أي ليصبر المؤمنون على أذى الكفار وليصبر الكفار على ما يسوؤهم من إيمان من آمن منهم حتى يحكم فيميز الخبيث من الطيب، والظاهر الاحتمال الأول. وكان المقصود إن أيمان البعض لا ينفعكم في دفع بلاء الله تعالى وعذابه وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ إذ لا معقب لحكمه ولا حيف فيه فهو في غاية السداد.