للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

استمر معه داء البطن حتى غرق، وقيل: إنها أخذت قبة فرعون بين أنيابها وأنها حملت على الناس فانهزموا مزدحمين فمات منهم خمسة وعشرون ألفا، فصاح فرعون يا موسى أنشدك بالذي أرسلك أن تأخذها وأنا أؤمن بك وأرسل معك بني إسرائيل، فأخذها فعادت عصا كما كانت،

وعن معمر أنها كانت في العظم كالمدينة، وقيل: كان طولها ثمانين ذراعا، وعن وهب بن منبه أن بين لحييها اثني عشر ذراعا، وعلى جميع الروايات لا تعارض بين ما هنا وقوله سبحانه:

كَأَنَّها جَانٌّ [النمل: ١٠، القصص: ٣١] بناء على أن الجان هي الحية الصغيرة لما قالوا: إن القصة غير واحدة، أو أن المقصود من ذلك تشبيهها في خفة الحركة بالجان لا بيان جثتها، أو لما قيل: إنها انقلبت جانا وصارت ثعبانا فحكيت الحالتان في آيتين، وسيأتي إن شاء الله تعالى.

وتلحق خيل لا هوادة بينها ... وتشقى الرماح بالضياطرة الحمر

وضعف بأن القلب سواء كان قلب الألفاظ بالتقديم والتأخير كخرق الثوب المسمار أم قلب المعنى فقط كما هنا إنما يفصح إذا تضمن نكنة كما في البيت، وهي فيه الإشارة إلى كثرة الطعن حتى شقيت الرماح بهم لتكسرها بسبب ذلك، وقد أفصح عن هذا المتنبي بقوله:

والسيف يشقى كما تشقى الضلوع به ... وللسيوف كما للناس آجال

وبأن بين الواجب ومن يجب عليه ملازمة فعبر عن لزومه للواجب بوجوبه على الواجب كما استفاض العكس، وليس هو من الكناية الإيمائية كقول البحتري:

أو ما رأيت الجود ألقى رحله ... في آل طلحة ثم لم يتحول

وقول ابن هانىء:

فما جازه جود ولا حل دونه ... ولكن يسير الجود حيث يسير

بل هو تجوز فيه مبالغة حسنة، وبان ذلك من الإغراق في الوصف بالصدق بأن يكون قد جعل قول الحق بمنزلة رجل يجب عليه شيء ثم جعل نفسه أي قابليته لقول الحق وقيامه به بمنزلة الواجب على قول الحق فيكون استعارة مكنية وتخييلية، والمعنى أنا واجب على الحق أن يسعى في أن أكون قائله والناطق به فكيف يتصور مني الكذب، واعترضه القطب الرازي وغيره بأنه إنما يتم لو كان هو حقيقا على قول الحق وليس كذلك بل على قوله الحق، وجعل قوله الحق بحيث يجب عليه أن يسعى في أن يكون قائله لا معنى له.

وأجيب بأن مبنى ذلك على أن المصدر المؤول لا بد من إضافته إلى ما كان مرفوعا به وليس بمسلم فإنه قد يقطع النظر عن ذلك.

وقد صرح بعض النحاة بأنه قد يكون نكرة نحو وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى [يونس: ٣٧] أي افتراء، وهاهنا قد قطع النظر فيه عن الفاعل إذ المعنى حقيق على قول الحق وهو محصل مجموع الكلام فلا إشكال، وذكر ابن مقسم في توجيه الآية على قراءة الجمهور وادعى أنه الأولى أن عَلى أَنْ لا أَقُولَ متعلق برسول إن قلنا بجواز إعمال الصفة إذا وصفت وإن لم نقل به وهو المشهور فهو متعلق بفعل يدل عليه أي أرسلت على أن لا أقول إلخ، والأولى عندي كون على بمعنى الباء، ويؤيده قراءة أبي بأن لا أقول.

وقرأ عبد الله «أن لا أقول» بتقدير الجار وهو على أو الباء، وقد تقدم يقدر على بياء مشددة، وقوله سبحانه: قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ استئناف مقرر لما قبله، ولم يكن هذا وما بعده من جواب فرعون إثر ما ذكر هاهنا بل بعد ما جرى بينهما من المحاورات التي قصها الله تعالى في غير ما موضع، وقد طوى ذكرها هنا للايجاز ومِنْ متعلقة

<<  <  ج: ص:  >  >>