للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المحافظة على ما ذهبوا إليه من أن ما يلي كلمة لما من الفعلين يجب أن يكون ماضيا لفظا أو معنى، إلا أن مقتضى ما ذكروا من أن إذا وإذا المفاجأة في موقع المفعول به للفعل المتضمنين هما إياه أن يكون التقدير فاجؤوا زمان النكث أو مكانه.

وقد يقال أيضا: تقدير الفعل تكلف مستغنى عنه إذ قد صرحوا بأن لما تجاب بإذا المفاجأة الداخلة على الجملة الاسمية، نعم هم يذكرون ما يوهم التقدير وليس به بل هو بيان حاصل المعنى وتفسير له فتدبر.

فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ أي فأردنا الانتقام منهم، وأول بذلك ليتفرع عليه قوله سبحانه: فَأَغْرَقْناهُمْ وإلا فالاغراق عين الانتقام فلا يصح تفريعه عليه.

وجوز أن تكون الفاء تفسيرية وقد أثبتها البعض كما في قوله تعالى: وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ [هود: ٤٥] إلخ وحينئذ لا حاجة إلى التأويل فِي الْيَمِّ أي البحر كما روي عن ابن عباس. والسدي رضي الله تعالى عنهم، ويقع على ما كان ملحا زعافا وعلى النهر الكبير العذب الماء ولا يكسر ولا يجمع جمع السلامة، وقال الليث: هو البحر الذي لا يدرك قعره، وقيل: هو لجة البحر وهو عربي في المشهور. وقال ابن قتيبة: إنه سرياني وأصله كما قيل يما فعرب إلى ما ترى والقول بأنه اسم للبحر الذي غرق فيه فرعون غريق في يم الضعف بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا تعليل للإغراق يعني أن سبب الإغراق وما استوجبوا به ذلك العقاب هو التكذيب بالآيات العظام وهو الذي اقتضى تعلق إرادة الله تعالى به تعلقا تنجيزيا وهذا لا ينافي تفريع الإرادة على النكث لأن التكذيب هو العلة الأخيرة والسبب القريب ولا مانع من تعدد الأسباب وترتب بعضها على بعض قاله الشهاب ونور الحق ساطع منه، وقال شيخ الإسلام: الفاء وإن دلت على ترتب الإغراق على ما قبله من النكث لكنه صرح بالتعليل إيذانا بأن مدار جميع ذلك تكذيب آيات الله تعالى وما عطف عليه ليكون مزجرة للسامعين عن تكذيب الآيات الظاهرة على يد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم انتهى، وفيه مناقشة لا تخفى.

وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ الضمير المجرور للآيات، والغفلة مجاز عن عدم الذكر والمبالاة أي بسبب تكذيبهم بالآيات وعدم مبالاتهم بها وتفكرهم فيها بحيث صاروا كالغافلين عنها بالكلية وإلا فالمكذب بأمر لا يكون غافلا عنه للتنافي بين الأمرين، وفي ذلك إشارة إلى أن من شاهد مثلها لا ينبغي له أن يكذب بها مع علمه بها، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن الضمير للنقمة وأريد بها الغرق كما يدل عليه ما قبله، وعليه فيجوز أن تكون الجملة حالية بتقدير قد، ولا مجاز في الغفلة حينئذ والأول أولى كما لا يخفى.

وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ بالاستعباد وذبح الأبناء، والجمع بين صيغتي الماضي والمستقبل للدلالة على استمرار الاستضعاف وتجدده، والمراد بهم بنو إسرائيل، وذكروا بهذا العنوان إظهارا لكمال اللطف بهم وعظم الإحسان إليهم حيث رفعوا من حضيض المذلة إلى أوج العزة، ولعل فيه إشارة إلى أن الله سبحانه عند القلوب المنكسرة. ونصب القوم على أنه مفعول أول لأورثنا والمفعول الثاني قوله سبحانه:

مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا أي جميع جهاتها ونواحيها، والمراد بها على ما روي عن الحسن وقتادة وزيد ابن أسلم أرض الشام، وذكر محيي السنة البغوي أنها أرض الشام ومصر، وفي رواية أنها أرض مصر التي كانت بأيدي المستضعفين، وإلى ذلك ذهب الجبائي، ورواه أبو الشيخ عن الليث بن سعد، أي أورثنا المستضعفين أرض مستضعفيهم وملكهم، ومعنى توريثهم إياها على القول بأنهم لم يدخلوها بعد أن خرجوا منها مع موسى عليه السلام

<<  <  ج: ص:  >  >>