إدخالها تحت ملكهم وعدم وجود مانع لهم عن التصرف فيها أو تمكين أولادهم فيها وذلك في زمن داود وسليمان عليهما السلام، ولا يخفى أنه خلاف المتبادر كما مرت الإشارة إليه. على أن أرض مصر بعد أن فتحت في زمن داود عليه السلام لم يكن لبني إسرائيل تمكن فيها واستقرار وإنما كان ملك وتصرف وكان التمكن في الأرض المقدسة، والسوق على ما قيل يقتضي ذكر ما تمكنوا فيه لا ما ملكوه، وأقول قد يقال المراد بالأرض هنا وفيما تقدم من قوله سبحانه: عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ الأرض المقدسة التي طلب موسى عليه السلام من فرعون بني إسرائيل ليذهب بهم إليها فإنها موطن آبائهم فيكون موسى عليه السلام قد وعدهم هلاك عدوهم المانع لهم من الذهاب إليها وجعل الله تعالى إياهم خلفاء فيها بعد آبائهم وأسلافهم أو بعد من هي في يده إذ ذاك من العمالقة ثم أخبر سبحانه هنا أن الوعد قد نجز وقد أهلكنا أعداء أولئك الموعودين وأورثناهم الأرض التي منعوهم عنها ومكناهم فيها وفي حصول بغية موسى عليه السلام وما ألطف توريث الأبناء مساكن الآباء الَّتِي بارَكْنا فِيها بالخصب وسعة الأرزاق أو بذلك وبكونها مساكن الأنبياء عليهم السلام والصالحين وذلك ظاهر على تقدير أن يراد بمشارق الأرض ومغاربها الشام ونواحيها. فقد أخرج ابن أبي شيبة عن أبي أيوب الأنصاري قال ليهاجرن الرعد والبرق والبركات إلى الشام.
وأخرج ابن عساكر عن ضمرة بن ربيعة قال: سمعت أنه لم يبعث نبي إلا من الشام فإن لم يكن منها أسري به إليها،
وأخرج أحمد عن عبد الله بن حوالة الأزدي أنه قال: «يا رسول الله خر لي بلدا أكون فيه قال عليك بالشام فإنه خيرة الله تعالى من أرضه يجتبي إليه خيرته من عباده» ،
وأخرج ابن عساكر عن واثلة بن الأسقع قال: «سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول عليكم بالشام فإنها صفوة بلاد الله تعالى يسكنها خيرته من عباده» ،
وأخرج الحاكم وصححه عن عبد الله ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: «يأتي على الناس زمان لا يبقى فيه مؤمن إلا لحق بالشام»
وجاء من حديث أحمد والترمذي والطبراني وابن حبان والحاكم أيضا وصححه عن زيد بن ثابت. أنه صلّى الله عليه وسلّم قال: طوبى للشام فقيل له: ولم؟
قال: «إن ملائكة الرحمن باسطة أجنحتها عليها»
والأحاديث في فضل الشام كثيرة وقد جمعها غير واحد إلا أن في الكثير منها مقالا وسبب الوضع كان قويا، وهو اسم لأحد الأقاليم العرفية، وفي القاموس أنها بلاد عن مشأمة القبلة وسميت بذلك لأن قوما من بني كنعان تشاءموا إليها أي تياسروا أو سمي بسام بن نوح فإنه بالشين بالسريانية أو لأن أرضها شامات بيض وحمر وسود وعلى هذا لا تهمز.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي الأغبش وكان قد أدرك أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه سئل عما بورك من الشام أين مبلغ حده؟ فقال: أول حدوده عريش مصر والحد الآخر طرف الثنية والحد الآخر الفرات والحد الآخر جعل فيه قبر هود النبي عليه السلام، وليس المراد بها ما هو متعارف الناس اليوم أعني دمشق نعم هي داخلة فيها، وقد تكلمنا على حدودها بأبسط من هذا في حواشينا على شرح مختصر السمرقندية لابن عصام، وقد ولع الناس في دمشق مدحا وذما فقال بعضهم:
تجنب دمشق ولا تأتها ... وإن شاقك الجامع الجامع
فسوق الفسوق بها نافق ... وفجر الفجور بها طالع
وقال آخر:
دمشق غدت جنة للورى ... زها وصفا العيش في ظلها
وفيها لدى النفس ما تشتهي ... ولا عيب فيها سوى أهلها