للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال آخر في الشام ولعله عنى متعارف الناس:

قيل لي ما يقول في الشام حبر ... شام من بارق الهنا ما شامه

قلت ماذا أقول في وصف أرض ... هي في وجنة المحاسن شامه

وأنا أقول إذا صح الحديث فهو مذهبي ونعوذ بالله تعالى من اتباع الهوى، والموصول صفة المشارق والمغارب، وقيل: صفة الأرض وضعفه أبو البقاء بأن فيه العطف على الموصوف قبل الصفة وهو نظير قولك: قام أم هند وأبوها العاقلة، وجوز أن يكون المفعول الثاني لأورثنا أي الأرض التي فعلى هذا يكون نصب المشارق وما عطف عليه بيستضعفون على معنى يستضعفون فيها وأن يكون المشارق منصوبة بيستضعفون والتي صفة كما في الوجه الأول والمفعول الثاني لأورثنا محذوف أي الأرض أو الملك، ولا يخفى بعده وأن المتبادر هو الأول.

وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أي مضت عليهم واستمرت من قولهم: مضى على الأمر إذا استمر، والمراد من الكلمة وعده تعالى لهم بالنصر والتمكين على لسان نبيهم عليه السلام وهو قوله السابق عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ إلخ، وذهب غير واحد إلى أنه الوعد الذي يؤذن به قوله سبحانه: وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ [القصص: ٥] ، وقيل: المراد بها علمه تعالى الأزلي، والمعنى مضى واستمر عليهم ما كان مقدرا من إهلاك عدوهم وتوريثهم الأرض، والْحُسْنى تأنيث الأحسن صفة للكلمة ووصفت بذلك لما فيها من الوعد بما يحبون ويستحسنون، وعن الحسن أنه أريد بالكلمة عدته سبحانه وتعالى لهم بالجنة ولا يخفى أنه يأباه السباق والسياق، والتفت من التكلم إلى الخطاب في قوله سبحانه: رَبِّكَ على ما قال الطيبي لأن ما قبله من القصص كان غير معلوم له صلّى الله عليه وسلّم. وأما كونه جل شأنه منجزا لما وعد ومجريا لما قضى وقدر فهو معلوم له عليه الصلاة والسلام، وذكر في الكشف أنه ادمج في هذا الالتفات أنه ستتم كلمة ربك في شأنك أيضا. وقرأ عاصم في رواية «كلمات» بالجمع لأنها مواعيد، والوصف بالحسنى لتأويله بالجماعة، وقد ذكروا أنه يجوز وصف كل جمع بمفرد مؤنث إلا أن الشائع في مثله التأنيث بالتاء وقد يؤنث بالألف كما في قوله سبحانه: مَآرِبُ أُخْرى [طه: ١٨] بِما صَبَرُوا أي بسبب صبرهم على الشدائد التي كابدوها من فرعون وقومه وحسبك بهذا حاثا على الصبر ودالا على أن من قابل البلاء بالجزع وكله الله تعالى إليه ومن قابله بالصبر ضمن الله تعالى له الفرج.

وأخرج ابن المنذر وغيره عن الحسن قال: لو أن الناس إذا ابتلوا من قبل سلطانهم بشيء صبروا ودعوا الله تعالى لم يلبثوا أن يرفع الله تعالى ذلك عنهم ولكنهم يفزعون إلى السيف فيوكلون إليه ثم تلا هذه الآية، وفي رواية أخرى عنه قال: ما أوتيت بنو إسرائيل ما أوتيت إلا بصبرهم وما فزعت هذه الأمة إلى السيف قط فجاءت بخير، وأقول قد شاهدنا الناس سنة الألف والمائتين والثمان والأربعين قد فزعوا إلى السيف فما أغناهم شيئا ولا تم لهم مراد ولا حمد منهم أمر، بل وقعوا في حرة رحيلة، ووادي خدبات، وأم حبوكر، ورموا لعمر الله بثالثة الاثافي، وقص من جناح عزهم القدامى والخوافي ولم يعلموا أن عيش المضر حلوه مر مقر وأن الفرج إنما يصطاد بشباك الصبر. وما أحسن قول الحسن:

عجبت ممن خف كيف خف وقد سمع قوله سبحانه: وتلا الآية، ويعلم منها أن التحزن لا ينافي الصبر لأن الله سبحانه وصف بني إسرائيل به مع قولهم السابق لموسى عليه السلام أُوذِينا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا وَمِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا وَدَمَّرْنا أي خربنا وأهلكنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ في أرض مصر من العمارات والقصور أي دمرنا الذي كان هو يصنعه فرعون على أن ما موصولة واسم كان ضمير راجع إليها وجملة يصنع فرعون من الفعل والفاعل خبر كان والجملة صلة الموصول

<<  <  ج: ص:  >  >>