والعائد إليه محذوف، وجوز أن يكون فرعون اسم كان ويصنع خبر مقدم والجملة الكونية صلة ما والعائد محذوف أيضا. وتعقبه أبو البقاء بأن يصنع يصلح أن يعمل في فرعون فلا يقدر تأخيره كما لا يقدر تأخير الفعل في قولك: قام زيد وفيه غفلة عن الفرق بين المثال وما نحن فيه وهو مثل الصبح ظاهر وقيل: ما مصدرية وكان سيف خطيب والتقدير ما يصنع فرعون إلخ، وقيل: كان كما ذكر وما موصولة اسمية والعائد محذوف والتقدير ودمرنا الذي يصنعه فرعون إلخ أي صنعه، والعدول إلى صيغة المضارع على هذين القولين لاستحضار الصورة وَما كانُوا يَعْرِشُونَ من الجنات أو ما كانوا يرضونه من البنيان كصرح هامان، وإلى الأول يشير كلام الحسن وإلى الثاني كلام مجاهد.
وقرأ ابن عامر وأبو بكر هنا وفي [النحل: ٦٨]«يعرشون» بضم الراء والباقون بالكسر وهما لغتان فصيحتان والكسر على ما ذكر اليزيدي وأبو عبيدة أفصح، وقرىء في الشواذ «يغرسون» من غرس الأشجار. وفي الكشاف أنها تصحيف وليس به. «وهذا ومن باب الإشارة في الآيات» ما وجدته لبعض أرباب التأويل من العارفين أن العصا إشارة إلى نفسه التي يتوكأ عليها أي يعتمد في الحركات والأفعال الحيوانية ويهش بها على غنم القوة البهيمية السليمة ورق الملكات الفاضلة والعادات الحميدة من شجرة الفكر وكانت لتقدسها منقادة لأوامره مرتدعة عن أفعالها الحيوانية إلا بإذنه كالعصا وإذا أرسلها عند الاحتجاج على الخصوم صارت كالثعبان تلقف ما يأفكون من الأكاذيب ويظهرون من حبال الشبهات وعصا المغالطات فيغلبهم ويقهرهم. وأن نزع اليد إشارة إلى إظهار القدرة الباهرة الساطعة منها أنوار الحق. وجعل بعضهم فرعون إشارة إلى النفس الأمّارة وقومه إشارة إلى صفاتها وكذا السحرة وموسى إشارة إلى الروح وقومه بنو إسرائيل العقل والقلب والسر وعلى هذا القياس. وأوّل النيسابوري الطوفان بالعلم الكثير والجراد بالواردات والقمل بالإلهامات والضفادع بالخواطر والدم بأصناف المجاهدات والرياضات وهو كما ترى.
وقد ذكر غير واحد أن السحر كان غالبا في زمن موسى عليه السلام فلهذا كانت معجزته ما كانت، والطب ما كان غالبا في زمن عيسى عليه السلام فلهذا كانت معجزته من جنس الطب والفصاحة كانت غالبا في زمن نبينا صلّى الله عليه وسلّم والتفاخر بها أشهر من «قفا نبك» فلهذا كانت معجزته القرآن، وإنما كانت معجزة كل نبي من جنس ما غلب على زمانه ليكون ذلك ادعى إلى إجابة دعواه.
وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ شروع بعد انتهاء قصة فرعون في قصة بني إسرائيل وشرح ما أحدثوه بعد أن منّ الله تعالى عليهم بما منّ وأراهم من الآيات ما أراهم تسلية لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم عما رآه من اليهود بالمدينة فانهم جروا معه على دأب أسلافهم مع أخيه موسى عليه السلام وإيقاظا للمؤمنين أن لا يغفلوا عن محاسبة أنفسهم ومراقبة نعم الله تعالى عليهم فإن بني إسرائيل وقعوا فيما وقعوا لغفلتهم عما منّ الله تعالى به عليهم، وجاوز بمعنى جاز وقرىء «جوزنا» بالتشديد وهو أيضا بمعنى جاز فعدى بالباء أي قطعنا البحر بهم، والمراد بالبحر بحر القلزم.
وفي مجمع البيان أنه نيل مصر وهو كما في البحر خطأ، وعن الكلبي أن موسى عليه السلام عبر بهم يوم عاشوراء بعد مهلك فرعون وقومه فصاموه شكرا لله تعالى فَأَتَوْا أي مروا بعد المجاوزة.
عَلى قَوْمٍ قال قتادة: كانوا من لخم اسم قبيلة ينسبون كما صححه ابن عبد البر إلى لخم بن عدي بن عمرو بن سبأ، وقيل: كانوا من العمالقة الكنعانيين الذين أمر موسى عليه السلام بقتالهم.
يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنامٍ لَهُمْ أي يواظبون على عبادتها ويلازمونها، وكانت كما أخرج ابن المنذر. وغيره عن ابن جريج تماثيل بقر من نحاس، وهو أول شأن العجل، وقيل: كانت من حجارة، وقيل: كانت بقرا حقيقة وقرأ حمزة