من ضمير لنا والمعنى على ذلك والأول أظهر، والقول بأن تقييد القول بذلك لا يستلزم تقييد المغفرة به والمطلوب الثاني والثاني متكفل به لا يخلو عن نظر.
واختار الحلبي والسفاقسي أن الجملة مستأنفة لا لأن الجملة الشرطية لا تقع حالا إذ وقوعها مما لا شك في صحته بل لأن في القول بالحالية نزغة اعتزالية ولا يخفى أن الأمر وإن كان كذلك إلا أن الحالية أبلغ لأن رجاءهم المغفرة في حال يضادها أوفق بالإنكار عليهم فافهم أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ أي الميثاق المذكور في التوراة فالإضافة على معنى في. ويجوز أن تكون اختصاصية على معنى اللام ويؤول المعنى إلى ما ذكره، وال في الكتاب للعهد، وقوله سبحانه: أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ عطف بيان للميثاق، وقيل: بدل منه، وقيل: إنه مفعول لأجله، وقيل: إنه متعلق بميثاق بتقدير حرف الجر أي بأن لا يقولوا، وجوز في إِنْ أن تكون مصدرية وأن تكون مفسرة لميثاق لأنه بمعنى القول، وفي لا أن تكون ناهية وأن تكون نافية واعتبار كل مع ما يصح معه مفوض إلى ذهنك، والمراد من الآية توبيخ أولئك الورثة على بتّهم القول بالمغفرة مع إصرارهم على ما هم عليه. وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنهم وبخوا على إيجابهم على الله تعالى غفران ذنوبهم التي لا يزالون يعودون إليها ولا يتوبون منها، وجاء البت من السين فإنها للتأكيد كما نص عليه المحققون، وقد عرض الزمخشري عامله الله تعالى بعدله في تفسير هذه الآية بأهل السنة، وزعم أن مذهبهم هو مذهب اليهود بعينه حيث جوزوا غفران الذنب من غير توبة، ونقل عن التوراة من ارتكب ذنبا عظيما فإنه لا يغفر له بالتوبة، وأنت تعلم أن اليهود أكدوا القول بالغفران وأهل السنة لا يجزمون في المطيع بالغفران فضلا عن العاصي بما هو حق الله تعالى فضلا عمن عصاه سبحانه فيما هو من حقوق العباد فالموجبون على الله تعالى وإن كان بالنسبة إلى التائب أقرب إليهم فهل ما ادعاه إلا من قبيل ما جاء في المثل- رمتني بدائها وانسلت- وما نقله عن التوراة إن كان استنباطا من الآية فلا تدل على ما في الكشف إلا على تحريفهم ما في التوراة من نعت النبي صلّى الله عليه وسلّم وآية الرجم ونحو ذلك من تسهيلاتهم على الخاصة وتخفيفاتهم على العامة يأخذون الرشا بذلك والتقول على الله عظيمة وإن كان قد قرأ التوراة التي لم تحرف وأنها هي تعين الحمل على الشرك بقواطع من كتاب الله تعالى الكريم أو يكون ذلك لهم وهذا لهذه الأمة المرحومة خاصة، وقد سلم هو نحوا منه في قوله سبحانه: يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ [الأحقاف: ٣١] وقد أطبق أهل السنة على ذم المتمني على الله،
ورووا عن شداد ابن أوس أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال:«الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله سبحانه» ،
ومن هنا قيل: إن القوم ذموا بأكلهم أموال الناس بالباطل واتباع أنفسهم هواها وتمنيهم على الله سبحانه ووبخوا على افترائهم على الله في الأحكام التي غيروها وأخذوا عرض هذا الأدنى على تغييرها فكأنه قيل: ألم يؤخذ عليهم الميثاق المذكور في كتابهم أن لا يقولوا على الله تعالى في وقت من الأوقات إلا الحق الذي تضمنه الكتاب فلم حكموا بخلافه وقالوا: هو من عند الله وما هو من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا؟ وفيه مع مخالفته لما روي عن الحبر مخالفة للظاهر. وقرأ الجحدري «أن لا تقولوا» بالخطاب على الالتفات وَدَرَسُوا ما فِيهِ أي قرؤوه فهم ذاكرون لذلك، وهو عطف على أَلَمْ يُؤْخَذْ من حيث المعنى وان اختلفا خبرا وإنشاء إذ المعنى أخذ عليهم ميثاق الكتاب ودرسوا إلخ، وجوز كونه عطفا على لَمْ يُؤْخَذْ والاستفهام التقريري داخل عليهما وهو خلاف الظاهر أو على ورثوا وتكون جملة أَلَمْ يُؤْخَذْ معترضة وما قبلها حالية أو يكون المجموع اعتراضا كما قيل ولا مانع منه خلا أن الطبرسي نقل عن بعضهم تفسير درسوا على هذا الوجه من العطف بتركوا وضيعوا وفيه بعد.
وقيل: إن الجملة في موضع الحال من ضمير يقولوا بإضمار قد أي أخذ عليهم الميثاق بأن لا يقولوا على الله إلا