للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحديث

مبني على تشبيه الهيئة المنتزعة من تعريضه سبحانه وتعالى إياهم لمعرفة ربويته ووحدانيته بعد تمكينهم منها بما ركز فيهم من العقول والبصائر ونصب لهم في الآفاق والأنفس من الدلائل تمكينا تاما ومن تمكنهم منها تمكنا كاملا وتعرضهم لها تعرضا قويا بهيئة منتزعة من حمله تعالى إياهم على الاعتراف بها بطريق الأمر ومن مسارعتهم إلى ذلك من غير تلعثم أصلا من غير أن يكون هناك أخذ وإشهاد وسؤال وجواب، ونظير ذلك في قول ما في قوله سبحانه وتعالى: فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ ومن ذلك سائر ما يحكى عن الحيوان والجماد كقوله:

شكا إليّ جملي طول السرى ... مهلا رويدا فكلانا مبتلى

(وقوله)

امتلأ الحوض وقال قطني ... مهلا رويدا قد ملأت بطني

وجعلوا قوله سبحانه وتعالى: أَنْ تَقُولُوا من تلوين الخطاب وصرفه عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى معاصريه من اليهود تشديدا في الإلزام أو إليهم وإلى متقدميهم بطريق التغليب وهو مفعول له لما قبله من الأخذ والاشهاد أو لمقدر يدل عليه ذلك، والمعنى على ما يقول البصريون: فعلنا ما فعلنا كراهة أن تقولوا وعلى ما يقول الكوفيون: لئلا تقولوا يَوْمَ الْقِيامَةِ عند ظهور الأمر وإحاطة العذاب بمن أشرك إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا أي وحدانية الربوبية غافِلِينَ لم ننبه عليه، وإنما لم يسعهم هذا الاعتذار حينئذ على ما قيل لأنهم نبهوا بنصب الأدلة وجعلوا متهيئين تهيؤا تاما لتحقيق الحق وإنكار ذلك مكابرة فكيف يمكنهم أن يقولوا ذلك أَوْ تَقُولُوا في ذلك اليوم إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ أي إن آباءنا هم اخترعوا الإشراك وهم سنّوه من قبل زماننا وَكُنَّا نحن ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ لا نهتدي إلى سبيل التوحيد أَفَتُهْلِكُنا أي أتؤاخذنا فتهلكنا اليوم بالعذاب بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ من آبائنا المضلين لا نراك تفعل. وأَوْ لمنع الخلو دون الجمع، وفعل القول عطف على نظيره وقرأهما أبو عمرو بالياء على الغيبة لأن صدر الكلام عليها، ووجه قراءة الخطاب ما علمت. وقال البعض: إن ذاك لقول الرب تعالى ربكم وإنما لم يسع القوم هذا القول لأن ما ذكر من استعدادهم يضيق عليهم المسالك إليه إذ التقليد عند قيام الدلائل والقدرة على الاستدلال بها مما لا مساغ إليه أصلا. هذا والذي عليه المحدثون والصوفية قاطبة أن الله تعالى أخذ من العباد بأسرهم ميثاقا قاليا قبل أن يظهروا بهذه البنية المخصوصة وأن الإخراج من الظهور كان قبل أيضا.

فقد أخرج أحمد والنسائي وابن جرير وابن مردويه والحاكم وصححه والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «إن الله تعالى أخذ الميثاق من ظهر آدم بنعمان يوم عرفة فأخرج من صلبه كل ذرية ذراها فنشرها بين يديه كالذر ثم كلمهم قبلا ألست بربكم؟ قالوا: بلى شهدنا» .

وأخرج مالك في الموطأ وأحمد وعبد بن حميد والبخاري في التاريخ وأبو داود والترمذي وحسنه والنسائي وابن جرير وخلق كثير عن مسلم بن يسار الجهني أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه سئل عن هذه الآية وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ إلخ فقال: «سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سئل عنها فقال: إن الله تعالى خلق آدم ثم مسح ظهره بيمينه فاستخرج منه ذرية فقال: خلقت هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرية فقال: خلقت هؤلاء للنار وبعمل أهل النار يعملون فقال الرجل: يا رسول الله ففيم العمل؟ فقال: إذا خلق العبد للجنة استعمله بعمل أهل الجنة حتى يموت على عمل من أعمال أهل الجنة فيدخله الله الجنة وإذا خلق العبد للنار استعمله بعمل أهل النار حتى يموت على عمل من أعمال أهل النار

فيدخله حديث عمر رضي الله تعالى عنه لا يساعد ذلك ولا ظاهر الآية لأنه سبحانه

<<  <  ج: ص:  >  >>