وتعالى لو أراد أن يذكر أنه استخرج الذرية من صلب آدم دفعة واحدة لا على توليد بعضهم من بعض على مر الزمان لقال: وإذا أخذ ربك من ظهر آدم ذريته، والتوفيق بينهما أن يقال: المراد من بني آدم في الآية آدم وأولاده وكأنه صار اسما للنوع كالإنسان والبشر، والمراد بالإخراج توليد بعضهم من بعض على مر الزمان واقتصر في الحديث على ذكر آدم اكتفاء بذكر الأصل عن ذكر الفرع،
وقوله عليه الصلاة والسلام في الحديث «مسح ظهر آدم»
يحتمل أن يكون الماسح الملك الموكل على تصوير الأجنة وتخليقها وجمع موادها وأسند إلى الله تعالى لأنه الآمر كما أسند التوفي إليه في قوله تعالى: يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها [الزمر: ٤٢] والمتوفى لها هو الملك لقوله تعالى: تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ [النحل: ٢٨، ٣٢] ويحتمل أن يكون الماسح هو الله تعالى ويكون المسح من باب التمثيل، وقيل: هو من المساحة بمعنى التقدير كأنه قال: قدر ما في ظهره من الذرية انتهى كلامه. وقال بعضهم: ليس المعنى في الحديث أنه تعالى أخرج الكل من ظهر آدم عليه السلام بالذات بل أخرج من ظهره أبناءه الصلبية ومن ظهورهم أبناءهم الصلبية وهكذا إلى آخر السلسلة لكن لما كان المظهر الأصلي ظهره عليه الصلاة والسلام وكان مساق الحديث بيان حال الفريقين إجمالا من غير أن يتعلق بذكر الوسائط غرض على نسب إخراج الكل إليه، وأما الآية الكريمة فحيث كانت مسوقة للاحتجاج على الكفرة المعاصرين لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم وبيان عدم إفادة الاعتذار بإسناد الإشراك إلى آبائهم اقتضى الحال نسبة إخراج كل واحد منهم إلى ظهر أبيه من غير تعرض لاخراج الأبناء الصلبية لآدم عليه السلام من ظهره قطعا، وعدم بيان الميثاق في الخبر العمري ليس بيانا لعدمه ولا مستلزما له اهـ.
وأنت تعلم أن التأويل الذي ذكره البيضاوي يأبى عنه كل الإباء حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وأن ما ذكره البعض من أن مساق الحديث بيان حال الفريقين إجمالا يأباه ظهور عدم كون السؤال عن حالهما ليساق الحديث لبيانه فإن الظاهر أن الصحابي إنما سأله عليه الصلاة والسلام عما أشكل عليه من معنى الآية أن الإشهاد هل هو حقيقة أم على الاستعارة؟ فلما أجابه صلّى الله عليه وسلّم بما عرف منه ما أراده لأنه كان بليغا ولو أشكل عليه من جهة أخرى لكان الواجب بيان تلك الجهة وكذا فهم الفاروق رضي الله تعالى عنه.
ومن هنا يعلم أن قول الإمام ان ظاهر الآية يدل على إخراج الذرية من ظهر بني آدم، وليس فيها ما يدل على أنهم أخرجوا من صلب آدم ولا ما يدل عليه نفيه إلا أن الخبر دل عليه فيثبت خروجهم من آدم بالحديث ومن بنيه بالآية لا يطابق سباق الحديث كما لا يخفى، وقال الشيخ شهاب الدين التوربشتي: إنما جد كثير من أهل العلم في الهرب عن القول في معنى الآية بما يقتضيه ظاهر خبر الحبر لمكان قوله سبحانه: أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ فقالوا: إن كان هذا الإقرار عن اضطرار حيث كوشفوا بحقيقة الأمر وشاهدوه عين اليقين فلهم ذلك اليوم أن يقولوا: شهدنا يومئذ فلما زال عنا علم الضرورة ووكلنا إلى آرائنا كان منا من أصاب ومنا من أخطأ وإن كان عن استدلال ولكنهم عصموا عنده من الخطأ فلهم أيضا أن يقولوا: أيدنا يوم الإقرار بتوفيق وعصمة وحرناهما من بعد ولو امددنا بهما أبدا لكانت شهادتنا في كل حين كشهادتنا في اليوم الأول فيتعين حينئذ أن يراد بالميثاق ما ركب الله تعالى فيهم من العقول وآتاهم من البصائر لأنها هي الحجة البالغة والمانعة عن قولهم إنا كنا إلخ لأن الله تعالى جعل الإقرار والتمكن من معرفة ربوبيته ووحدانيته سبحانه حجة عليهم في الإشراك كما جعل بعث الرسول حجة عليهم في الإيمان بما أخبر عنه من الغيوب انتهى.
وحاصله أن لو لم تؤول الآية بما ذكر يلزم أن لا يكونوا محجوجين يوم القيامة، وقد أجيب عنه باختيار كل من الشقين ورفع محذوره. أما الأول فبأن يقال: إذا قالوا شهدنا يومئذ فلما زال علم الضرورة ووكلنا إلى آرائنا كان كذا أيها الكذابون متى وكلتم إلى آرائكم ألم نرسل رسلنا تترى ليوقظوكم عن سنة الغفلة؟ وأما الثاني فبأن يقال: إن هذا