للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فذكرت ذلك لشيخنا رضي الله تعالى عنه فقال: إن قصد القائل بالحضرات الستة التي عرفها قبل ميثاق أَلَسْتُ الكليات فمسلم، وأما إن أراد جملة الحضرات الميثاقية التي قبل أَلَسْتُ فهي أكثر من ذلك، ويعلم من هذا ما في قولهم: لا أحد يذكر ذلك الميثاق على وجه السلب الكلي من المنع، وقد روي عن ذي النون أيضا وقد سئل عن ذلك هل تذكره أنه قال: كأنه الآن في أذني. وقال بعضهم مستقربا له: إن هذا الميثاق بالأمس كان وأشار فيه أيضا إلى مواثيق أخر كانت قبل، ويمكن أن يقال مرادهم من تلك السالبة لا أحد من المشركين يذكر ذلك الميثاق لا لا أحد مطلقا.

وذكر قطب الحق والدين العلامة الشيرازي في التوفيق بين الآية والخبر العمري كلاما ارتضاه الفحول وتلقوه بالقبول وحاصله: أن جواب النبي صلّى الله عليه وسلّم إذ سئل عن الآية من قبيل أسلوب الحكيم وذلك أنه عليه الصلاة والسلام سئل عن بيان الميثاق الحالي فأجاب ببيان الميثاق المقالي على ألطف وجه.

وبيانه أن سبحانه كان له ميثاقان مع بني آدم. أحدهما تهتدي إليه العقول من نصب الأدلة الباعثة على الاعتراف الحالي. وثانيهما المقالي الذي لا يهتدي إليه العقل بل يتوقف على توقيف واقف على أحوال العباد من الأزل إلى الأبد كالأنبياء عليهم السلام فأراد النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يعلم الأمة ويخبرهم عن أن وراء الميثاق الذي يهتدون إليه بعقولهم ميثاقا آخر أزليا فقال ما قال من مسح ظهر آدم عليه السلام في الأزل وإخراج الذرية ليعرف منه أن هذا النسل الذي يخرج في لا يزال من أصلاب بني آدم هو الذر الذي أخرج في الأزل من صلب آدم وأخذ منه الميثاق المقالي الأزلي كما أخذ منهم في لا يزال بالتدريج حين أخرجوا الميثاق الحالي اللايزالي اهـ وهو حسن كما قالوا، لكن ينبغي أن يحمل الأزل فيه ولا يزال على المجاز لأن خروج النسل محدود بيوم القيامة وعلى القول بعدم انقطاعه بعده هو خاص بالسعداء على وجه خاص كما علم في محله والأمر حادث لا أزلي وإلا لزم خرق إجماع المسلمين والتدافع بين الآية وكان الله تعالى ولم يكن معه شيء، ونقل عن الخلخالي أنه شمر عن ساقه في دفع ذلك فقال: المخاطبون هم الصور العلمية القديمة التي هي ماهيات الأشياء وحقائقها ويسمونها الأعيان الثابتة وليست تلك الصور موجودة في الخارج فلا يتعلق بها بحسب ذلك الثبوت جعل بل هي في ذواتها غير محتاجة إلى ما يجعلها تلك الصور وهي صادرة عنه تعالى بالفيض الأقدس وقد صرحوا بأنها شؤونات واعتبارات للذات الاحدي وجوابهم بقولهم: بل إنما هو بألسنة استعدادتهم الأزلية لا بالألسنة التي هي بعد تحققها في الخارج انتهى. وهو مبني على الفرق بين الثبوت والوجود وفيه نزاع طويل لكنا ممن يقول به والله لا يستحي من الحق، ومن هنا انقدح لبعض الأفاضل وجه آخر في التوفيق بين الآية والحديث وهو أن المراد بالذرية المستخرجة من صلب آدم عليه السلام وبنيه هو الصور العلمية والأعيان الثابتة وأن المراد باستخراجها هو تجلي الذات الاحدي وظهوره فيها وأن نسبة الإخراج إلى ظهورهم باعتبار أن تلك الصور إذا وجدت في الأعيان كانت عينهم وأن تلك المقاولة حالية استعدادية أزلية لا قالية لا يزالية حادثة وهذا هو المراد بما نقل الشيخ العارف أبو عبد الرحمن السلمي في الحقائق عن بنان حيث قال: أوجدهم لديه في كون الأزل ثم دعاهم (١) فأجابهم سراعا وعرفهم نفسه حين لم يكونوا في الصورة الانسية ثم أخرجهم بمشيئته خلقا وأودعهم في صلب آدم فقال سبحانه:

وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ إلخ ... فاخبر أنه خاطبهم وهم غير موجودين إلا بوجوده لهم إذ كانوا واجدين للحق في غير وجودهم لأنفسهم وكان الحق بالحق في ذلك موجودا ثم أنشد السلمي لبعضهم:


(١) قوله فأجابهم سراعا كذا بخطه والأولى فأجابوا إلخ اهـ

<<  <  ج: ص:  >  >>