الأعظم الذي كان يعلمه على ملك البلقاء ليخلص من شره؟ ودعا على موسى عليه السلام ما هي إلا جهالة سوداء، وجاء في كلام أبي المعتمر أنه كان قد أوتي النبوة، ويرده أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لا يجوز عليهم الكفر عند أحد من العقلاء وكأن مراده من النبوة ما أوتيه من الآيات، وذلك
كقوله صلّى الله عليه وسلّم: «من حفظ القرآن فقد طوى النبوة بين جنبيه» .
وأخرج ابن المنذر عن مالك بن دينار أنه كان من علماء بني إسرائيل وكان موسى عليه السلام يقدمه في الشدائد ويكرهه وينعم عليه فبعثه إلى ملك مدين يدعوهم إلى الله تعالى وكان مجاب الدعوة فترك دين موسى عليه السلام واتبع دين الملك، وهذه الرواية عندي أولى مما تقدم بالقبول، وأما على القول بأنه أمية
فهو أنه كان قد قرأ الكتب القديمة وعلم أن الله تعالى مرسل رسولا فرجا أن يكون هو ذلك الرسول، فاتفق أن خرج إلى البحرين وتنبأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأقام هناك ثماني سنين ثم قدم فلقي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في جماعة من أصحابه فدعاه إلى الإسلام، وقرأ عليه سورة يس حتى إذا فرغ منها وثب أمية يجر رجليه فتبعته قريش تقول: ما تقول يا أمية؟ فقال: أشهد أنه على الحق قالوا: فهل نتبعه؟ حتى أنظر في أمره فخرج إلى الشام وقدم بعد وقعة بدر يريد أن يسلم فلما أخبر بها ترك الإسلام وقال: لو كان نبيا ما قتل ذوي قرابته فذهب إلى الطائف ومات به فأتت أخته الفارعة إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فسألها عن وفاته فذكرت له أنه أنشد عند موته:
كل عيش وإن تطاول دهرا ... صائر مرة إلى أن يزولا
ليتني كنت قبل ما قد بدا لي ... في قلال الجبال أرعى الوعولا
إن يوم الحساب يوم عظيم ... شاب فيه الصغير يوما ثقيلا
ثم قال لها عليه الصلاة والسلام: أنشديني من شعر أخيك فأنشدته:
لك الحمد والنعماء والفضل ربنا ... ولا شيء أعلى منك جدا وأمجد
مليك على عرش السماء مهيمن ... لعزته تعنو الوجوه وتسجد
من قصيدة طويلة أتت على آخرها، ثم أنشدته قصيدته التي يقول فيها:
وقف الناس للحساب جميعا ... فشقيّ معذب وسعيد
والتي فيها
عند ذي العرش يعرضون عليه ... يعلم الجهر والسرار الخفيا
يوم يأتي الرحمن وهو رحيم ... إنه كان وعده مأتيا
رب إن تعف فالمعافاة ظني ... أو تعاقب فلم تعاقب بريا
فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إن أخاك آمن شعره وكفر قلبه، وأنزل الله تعالى الآية. وأما على القول بأنه النعمان فهو أنه كان قد ترهب في الجاهلية ولبس المسوح فقدم المدينة فقال للنبي صلّى الله عليه وسلّم: ما هذا الذي جئت به؟ فقال عليه الصلاة والسلام: الحنيفية دين إبراهيم عليه السلام. قال: فأنا عليها. فقال عليه الصلاة والسلام: لست عليها ولكنك أدخلت فيها ما ليس منها. فقال: أمات الله تعالى الكاذب منا طريدا وحيدا، ثم خرج إلى الشام وأرسل إلى المنافقين أن استعدوا السلاح، ثم أتى قيصر وطلب منه جندا ليخرج النبي صلّى الله عليه وسلّم من المدينة فمات بالشام طريدا وحيدا.
وأما على القول بأنه زوج البسوس، فقد أخرج ابن أبي حاتم. وأبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه رجل أعطي ثلاث دعوات مستجابات، وكانت له امرأة تدعى البسوس له منها ولد فقالت: اجعل لي منها واحدة. قال: