كنت نبيا كما تقول فإنا نعلم متى هي؟ وكان ذلك امتحانا منهم مع علمهم أنه تعالى قد استأثر بعلمها فأنزل الله تعالى الآية.
وذهب بعض إلى أن السائل قريش،
فقد أخرج عبد بن حميد. وابن جرير عن قتادة أن قريشا قالوا: يا محمد أسر إلينا متى الساعة لما بيننا وبينك من القرابة؟ فنزلت.
وقوله سبحانه: أَيَّانَ مُرْساها بفتح همزة أيان. وقرأ السلمي بكسرها وهو لغة فيها، وهي ظرف زمان متضمن لمعنى الاستفهام ويليها المبتدأ أو الفعل المضارع دون الماضي بخلاف متى حيث يليها كلاهما، والتحقيق أنها بسيطة مرتجلة، وقيل: اشتقاقها من أي وهي فعلان منه لأن معناه أي وقت، وأي فعل، وأي من أويت بمعنى رجعت لأن باب طويت وشويت أضعاف باب حييت ووعيت ولقربه منه معنى لأن البعض آو إلى الكل ومستند إليه. وأصله على هذا أوي فقلبت الواو ياء وأدغمت في الياء فصار أيا وإنما لم تجعل أيان فعلا لا من أين لأنها ظرف زمان وأين ظرف مكان، ومن الناس من زعم أن أصلها أي أوان أو أي آن وليس بشيء.
وتعقب في الكشف حديث الاشتقاق من أي بأنه مخالف لما ذكره الزمخشري في سورة النمل ولو سمي به لكان فعالا من آن يئين ولا تصرف، ثم قال: والوجه ما ذكره هناك لأن الاشتقاق في غير المتصرفة لا وجه له. ثم إنه ليس اشتقاقه من أي أولى من اشتقاقه من الأين بمعنى الحينونة لأن أيان زمان وكأنه غيره الاستفهام وليس بشيء لأنه بالتضمين كما في متى ونحوه وكذلك اشتقاق أي من أويت لا وجه له إلا أن الأظهر أنه يجوز الصرف وعدمه كما في حمار قبان اهـ.
وأجيب بأن ما ذكر أمر قدروه للامتحان وليعلم حكمها إذا سمي بها فلا ينافي ما ذكره الزمخشري وكذا لا ينافي لتحقيق فتأمل، وأيا ما كان فهي في محل الرفع على أنها خبر مقدم ومرساها مبتدأ مؤخر وهو مصدر ميمي من أرساه إذا أثبته وأقره أي متى إثباتها وتقريرها، ولا يكاد يستعمل الإرساء إلا في الشيء الثقيل كما في قوله تعالى:
وَالْجِبالَ أَرْساها [النازعات: ٣٢] ومنه مرساة السفن، ونسبته هنا إلى الساعة باعتبار تشبيه المعاني بالأجسام.
وجوز بعضهم أن يكون اسم زمان، ولا يرد عليه أنه يلزم أن يكون للزمان زمان، وفي جوازه خلاف الفلاسفة لأنه يؤول بمتى وقوع ذلك، والجملة قيل في محل النصب على المفعولية به لقول محذوف وقع حالا من ضمير يسألونك أي يسألونك قائلين أيان مرساها، وقيل في محل الجر على البدلية عن الساعة.
والتحقيق عند بعض جلة المحققين أن محلها النصب بنزع الخافض لأنها بدل من الجار والمجرور لا من المجرور فقط، وفي تعليق السؤال بنفس الساعة أولا وبوقت وقوعها ثانيا تنبيه على أن المقصد الأصلي من السؤال نفسها باعتبار حلولها في وقتها المعين باعتبار كونه محلا لها، وما في الجواب أعني قوله سبحانه: قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي مخرج على ذلك أيضا أي إن علمها بالاعتبار المذكور عنده سبحانه لا غير فلا حاجة إلى أن يقال: إنما علم وقت إرسائها عنده عزّ وجلّ، وبعضهم حيث غفل عن النكتة المشار إليها حمل النظم الجليل على حذف المضاف، وإليه يشير كلام أبي البقاء، ومعنى كون ذلك عنده عزّ وجلّ خاصة أنه استأثر به حيث لم يخبرا أحدا به من ملك مقرب أو نبي مرسل، والتعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضميره صلّى الله عليه وسلّم قيل للإيذان بأن توفيقه عليه الصلاة والسلام للجواب على الوجه المذكور من باب التربية والإرشاد وهو أولى مما سنشير إليه إن شاء الله تعالى، وقوله سبحانه: لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ بيان لاستمرار خفائها إلى حين قيامها واقناط كلي عن إظهار أمرها بطريق الإخبار، والتجلية الكشف والإظهار، واللام لام التوقيت واختلف فيها فقيل هي بمعنى في، وقال ابن جني: بمعنى عند، وقال الرضي: هي اللام المفيدة للاختصاص، وهو على ثلاثة أضرب اما أن يختص الفعل بالزمان لوقوعه فيه ككتبت