لغرة كذا أو لوقوعه بعده نحو لخمس خلون أو قبله نحو لليلة بقيت، ومع الإطلاق يكون الاختصاص لوقوعه فيه وإلا فحسب القرينة، وفسرها هنا غير واحد بفي.
والمعنى لا يكشف عنها ولا يظهر للناس أمرها الذي تسألون عنه إلا الرب سبحانه بالذات من غير أن يشعر به أحد من المخلوقين فيتوسط في إظهاره لهم لكن لا بأن لا يخبرهم بوقتها كما هو المسئول بل بأن يقيمها فيعلموها على أتم وجه، والجار والمجرور متعلق بالتجلية وهو قيد لها بعد ورود الاستثناء كأنه قيل: لا يجليها إلا هو في وقتها إلا أنه قدم للتنبيه من أول الأمر على أن تجليها ليس بطريق الاخبار بوقتها بل بإظهار عينها في وقتها الذي يسألون عنه، وقوله تعالى: ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ استئناف كما قبله مقرر لما سبق، والمراد كبرت وعظمت على أهلهما حيث لم يعلموا وقت وقوعها. وعن السدي أن من خفي عليه علم شيء كان ثقيلا عليه، وعن قتادة أن المعنى عظمت على أهل السموات والأرض حيث يشفقون منها ويخافون شدائدها، وفي رواية أخرى عنه أن المراد ثقل علمها عليهم فلا يعلمونها، ويرجع إلى ما ذكر أولا، وقيل: المعنى ثقلت عند الوقوع على نفس السموات حتى انشقت وانتثرت نجومها وكورت شمسها وعلى نفس الأرض حتى سيرت جبالها وسجرت بحارها وكان ما كان فيها، وإلى ذلك يشير ما روي عن ابن جريج وعليه فلا يحتاج إلى تقدير مضاف، وكلمة في على سائر إلا وجه استعارة منبهة على تمكن الفعل كما لا يخفى لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً أي إلا فجأة على حين غفلة،
أخرج الشيخان عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال:«قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لتقومن الساعة وقد نشر رجلان ثوبهما فلا يتبايعانه ولا يطويانه ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لقحته فلا يطعمه ولتقومن الساعة وهو يليط حوضه فلا يسقى فيه ولتقومن الساعة وقد رفع أكلته إلى فيه فلا يطعمها»
يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها أي عالم بها كما قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فيما أخرجه عنه ابن المنذر وغيره «فحفي» فعيل من حفى عن الشيء إذا بحث عن تعرف حاله، وذكر بعضهم أن الحفاوة في الأصل الاستقصاء في الأمر للاعتناء به قال الأعشى:
فإن تسألوا عني فيا رب سائل ... حفيّ عن الأعشى به حيث أصعدا
ومنه إحفاء الشارب، وتطلق أيضا على البر واللطف كما قال تعالى: إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا [مريم: ٤٧] ، والمعنى المراد هنا متفرع على المعنى الأول لأن من بحث عن شيء وسأل منه استحكم علمه به فأريد به لازم معناه مجازا أو كناية وعدي الوصف بعن اعتبار الأصل معناه وهو السؤال والبحث، وقيل: لأنه ضمن معنى الكشف ولولا ذلك لعدي بالباء، وجوز أن البقاء أن تكونن بمعنى الباء، وروي عن الحبر. وابن مسعود أنهما قرآ بها.
والجملة التشبيهية في محل نصب على أنها حال من مفعول يسألونك أي مشبها حالك عندهم بحال من هو حفي، وقيل: إن عنها متعلق بيسألونك، والجملة التشبيهية معترضة وصلة حفي محذوفة أي بها أو بهم بناء على ما قيل إن حفي من الحفاوة بمعنى الشفقة فإن قريشا قالوا له عليه الصلاة والسلام: إن بيننا وبينك قرابة فقل لنا متى الساعة؟ وروي ذلك عن قتادة وترجمان القرآن أيضا، والمعنى عليه أنهم يظنون أن عندك علمها لكن تكتمه فلشفقتك عليهم طلبوا منك أن تخصهم به وتعلق عَنِ على هذا الوجه بمحذوف كتخبرهم وتكشف لهم عنها بعيد، وقيل:
هو من حفي بالشيء إذا فرح به، وروي ذلك عن مجاهد والضحاك وغيرهما، والمعنى كأنك فرح بالسؤال عنها تحبه، وعَنِ على هذا متعلقة- بحفي- كما قيل: لتضمنه معنى السؤال، والكلام على ما قال شيخ الإسلام استئناف مسوق لبيان خطئهم في توجيه السؤال إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بناء على زعمهم أنه عليه الصلاة والسلام عالم بالمسئول عنه أو أن العلم بذلك من مقتضيات الرسالة أثر بيان خطئهم في أصل السؤال بإعلام بيان المسئول عنه، وفي