للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النار»

واستدل بالآية على أن إخفاء الذكر أفضل، ويوافق ذلك ما

أخرجه أحمد من قوله صلّى الله عليه وسلّم: «خير الذكر الخفي»

وهي ناعية على جهلة زماننا من المتصوفة ما يفعلونه مما يستقبح شرعا وعقلا وعرفا فإنا الله وإنا إليه راجعون.

هذا «ومن باب الإشارة في الآيات» وهُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وهي الروح وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وهي القلب لِيَسْكُنَ إِلَيْها أي ليميل إليها ويطمئن فكانت الروح تشم من القلب نسائم نفحات الألطاف فَلَمَّا تَغَشَّاها أي جامعها وهو إشارة إلى النكاح الروحاني والصوفية يقولون: إنه سائر في جميع الموجودات ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفاً في البداية بظهور أدنى أثر من آثار الصفات البشرية في القلب الروحاني فَلَمَّا أَثْقَلَتْ كبرت وكثرت آثار الصفات دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُما لأنهما خافا من تبدل الصفات الروحانية النورانية بالصفات النفسانية الظلمانية لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً للعبودية لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً بحسب الفطرة من القوى جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما أي جعل أولادهما لله تعالى شركاء فيما آتى أولادهما فمنهم عبد البطن ومنهم عبد الخميصة ومنهم من عبد الدرهم والدينار إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كائنا ما كان عِبادٌ أَمْثالُكُمْ في العجز وعدم التأثير فَادْعُوهُمْ إلى أي أمر كان فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ في نسبة التأثير إليهم أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها استفهام على سبيل الإنكار أي ليس لهم أرجل يمشون بها بل بالله عزّ وجلّ إذ هو الذي يمشيهم وكذا يقال فيما بعد قُلِ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ إن استطعتم إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ حافظي ومتولي أمري الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ أي من قام به في حال الاستقامة وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ الحق ولا حقيقتك لأنهم عمي القلوب في الحقيقة، والضمير للكفار خُذِ الْعَفْوَ أي السهل الذي يتيسر لهم ولا تكلفهم ما يشق عليهم وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ أي بالوجه الجميل، وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ فلا تكافئهم بجهلهم.

عن جعفر الصادق رضي الله تعالى عنه ليس في القرآن آية أجمع لمكارم الأخلاق من هذه الآية

قيل وذلك لقوة دلالتها على التوحيد فإن من شاهد مالك النواصي وتصرفه في عباده وكونهم فيما يأتون ويذرون به سبحانه وتعالى لا بأنفسهم لا يشاقهم ولا يداقهم في تكاليفهم ولا يغضب في الأمر والنهي ولا يتشدد ويحلم عنهم، وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ بالشهود والحضور فإنك ترى حينئذ أن لا فعل لغيره سبحانه، وهذا إشارة إلى ما يعتري الإنسان أحيانا من الغضب وإيماء إلى علاجه بالاستعاذة قال بعضهم:

إن الغضب إنما يهيج بالإنسان إذا استقبح من المغضوب عليه عملا من الأعمال ثم اعتقد في نفسه كونه قادرا وفي المغضوب عليه كونه عاجزا، وإذا انكشف له نور من عالم العقل عرف أن المغضوب عليه إنما أقدم على ذلك العمل لأن الله تعالى خلق فيه داعية وقد سبقت عليه الكلمة الأزلية فلا سبيل له إلى تركه وحينئذ يتغير غضبه. وقد ورد من عرف سر الله تعالى في القدر هانت عليه المصائب، فالاستعاذة بالله تعالى في المعنى طلب الالتجاء إليه باستكشاف ذلك النور، إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا الشرك إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ لمة منه بنسبة الفعل إلى غيره سبحانه وتعالى تَذَكَّرُوا مقام التوحيد ومشاهدة الأفعال من الله تعالى فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ فعالية الله تعالى لا شيطان ولا فاعل غيره سبحانه في نظرهم وَإِخْوانُهُمْ أي اخوان الشياطين من المحجوبين يَمُدُّونَهُمْ الشياطين في الغي وهو نسبة الفعل إلى السوي ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ عن العناد والمراء والجدل، وقالُوا لَوْلا اجْتَبَيْتَها أي جمعتها من تلقاء نفسك قُلْ إِنَّما أَتَّبِعُ ما يُوحى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي لأني قائم به لا بنفسي وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ أي للقرآن بآذانكم الظاهرة وَأَنْصِتُوا بحواسكم الباطنة، وجوز أن يكون ضمير له للرب سبحانه، أي إذا قرىء القرآن فاستمعوا للرب جل شأنه فإنه المتكلم والمخاطب لكم به لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ بالسمع الحقيقي أو برحمة تجلي المتكلم في

<<  <  ج: ص:  >  >>