كلامه بصفاته وأفعاله وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ بأن تتحلى بما يمكن التحلي به من صفات الله تعالى، وقيل: هو على حد لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب: ٢١] تَضَرُّعاً وَخِيفَةً حسب اختلاف المقام وَدُونَ الْجَهْرِ أي دون أن يظهر ذلك منك بل يكون ذاكرا به له بِالْغُدُوِّ أي وقت ظهور نور الروح وَالْآصالِ أي وقت غلبات صفات النفس وَلا تَكُنْ في وقت من الأوقات مِنَ الْغافِلِينَ عن شهود الوحدة الذاتية، وقال بعض الأكابر: إن قوله سبحانه: وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً إشارة إلى أعلى المراتب وهو حصة الواصلين المشاهدين، وقوله سبحانه وتعالى: وَدُونَ الْجَهْرِ إشارة إلى المرتبة الوسطى وهي نصيب السائرين إلى مقام المشاهدة، وقوله جل شأنه: وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ إيماء إلى مرتبة النازلين من السالكين، وفي ذكر الخوف اشعار باستشعار هيبة الجلال كما قال:
أشتاقه فإذا بدا ... أطرقت من إجلاله
لا خيفة بل هيبة ... وصيانة لجماله
وذكروا أن حال المبتدي والسالك منوطة برأي الشيخ فإنه الطبيب لأمراض القلوب فهو أعرف بالعلاج، فقد يرى له رفع الصوت بالذكر علاجا حيث توقف قطع الخواطر وحديث النفس عليه، وفي عوارف المعارف للسهروردي قدس سره لا يزال العبد يردد هذه الكلمة على لسانه مع مواطأة القلب حتى تصير متأصلة فيه مزيلة لحديث النفس وينوب معناها في القلب عنه فإذا استولت الكلمة وسهلت على اللسان تشربها القلب ويصير الذكر حينئذ ذكر الذات، وهذا الذكر هو المشاهدة والمكاشفة والمعاينة، وذاك هو المقصد الأقصى من الخلوة، وقد يحصل ما ذكر بتلاوة القرآن أيضا إذا أكثر التلاوة واجتهد في مواطأة القلب مع اللسان حتى تجري التلاوة على اللسان وتقوم مقام حديث النفس فيدخل على العبد سهولة في التلاوة والصلاة اهـ.
ونقل عنه أيضا ما حاصله أن بنية العبد تحكي مدينة جامعة، وأعضاؤه وجوارحه بمثابة سكان المدينة، والعبد في إقباله على الذكر كمؤذن صعد منارة على باب المدينة يقصد اسماع أهل المدينة الأذان، فالذاكر المحقق يقصد إيقاظ قلبه وإنباء أجزائه وأبعاضه بذكر لسانه فهو يقول ببعضه ويسمع بكله إلى أن تنتقل الكلمة من اللسان إلى القلب فيتنور بها ويظفر بجدوى الأحوال ثم ينعكس نور القلب على القالب فيتزين بمحاسن الأعمال اهـ.
إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ وهم الفانون الباقون به سبحانه وتعالى أرباب الاستقامة لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ لعدم احتجابهم بالأنانية وَيُسَبِّحُونَهُ بنفيها وَلَهُ يَسْجُدُونَ بالفناء التام وطمس البقية والله تعالى هو الباقي ليس في الوجود سواه.