فيه، وإذا كان باعتبار أنه سبحانه لا ينزل إلا الحق ولا يصيب إلا بما يستوجبه الممكور به فلا شركة لمكر الغير فيه فالإضافة حينئذ للاختصاص كما في- أعدلا بني مروان- لانتفاء المشاركة.
وقيل: هو من قبيل- الصيف أحر من الشتاء- بمعنى أن مكره تعالى في خيريته أبلغ من مكر الغير في شرّيته.
وادعى غير واحد أن المكر لا يطلق عليه سبحانه دون مشاكلة لأنه حيلة يجلب بها مضرة إلى الغير وذلك مما لا يجوز في حقه سبحانه.
واعترض بوروده من دون مشاكلة في قوله تعالى: أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ.
وأجيب بأن المشاكلة فيما ذكر تقديرية وهي كافية في الغرض، وفيه نظر،
فقد جاء عن علي كرم الله تعالى وجهه «من وسع عليه في دنياه ولم يعلم أنه مكر به فهو مخدوع في عقله»
والمشاكلة التقديرية فيه بعيدة جد بل لا يكاد يدعيها منصف وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا التي لو أنزلناها على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا قائله النضر بن الحرث من بني عبد الدار على ما عليه جمهور المفسرين وكان يختلف إلى أرض فارس والحيرة فيسمع أخبارهم عن رستم، وإسفنديار وكبار العجم وكان يمر باليهود والنصارى فيسمع منهم التوراة والإنجيل، وإسناد القول إلى ضمير الجمع من إسناد فعل البعض إلى الكل لما أن اللعين كان رئيسهم وقاضيهم الذي يقولون بقوله ويعملون برأيه.
وقيل: قاله الذين ائتمروا في أمره عليه الصلاة والسلام في دار الندوة، وأيا ما كان فهو غاية المكابرة ونهاية العناد، إذ لو استطاعوا شيئا من ذلك فما منعهم من المشيئة؟ وقد تحداهم عليه الصلاة والسلام وقرّعهم بالعجز عشر سنين ثم قارعهم بالسيف فلم يعارضوا بما سواه مع أنفتهم واستنكافهم أن يغلبوا لا سيما في ميدان البيان فانهم كانوا فرسانه المالكين لأزمته الحائزين قصب السبق به.
واشتهر أنهم علقوا القصائد السبعة المشهورة على باب الكعبة متحدين بها، لكن تعقب (١) أن ذلك مما لا أصل له وإن اشتهر، وزعم بعضهم أن هذا القول كان منهم قبل أن ينقطع طمعهم عن القدرة على الإتيان بمثله، وليس بشيء إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ جمع أسطورة على ما قاله المبرد كأحدوثة وأحاديث ومعناه ما سطر وكتب. وفي القاموس الأساطير الأحاديث لا نظام لها جمع اسطار وإسطير وأسطور وبالهاء في الكل. وأصل السطر الصف من الشيء كالكتاب والشجر وغيره وجمعه أسطر وسطور وأسطار وجمع الجمع أساطير ويحرك في الكل، وقال بعضهم: إن جمع سطر بالسكون أسطر وسطور وجمع سطر أسطار وأساطير، وهو مخالف لما في القاموس، والكلام على التشبيه، وأرادوا ما هذا إلا كقصص الأولين وحكاياتهم التي سطروها وليس كلام الله تعالى، وكأنه بيان لوجه قدرتهم على قول مثله لو شاؤوا.
وَإِذْ قالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ قائل هذا النضر أيضا على ما روي عن مجاهد وسعيد بن جبير، وجاء في رواية أنه لما قال أولا ما قال له النبي صلّى الله عليه وسلّم:
ويلك إنه كلام الله تعالى فقال ذلك. وأخرج البخاري. والبيهقي في الدلائل عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنهما أنه أبو جهل بن هشام. وأخرج ابن جرير عن يزيد بن رومان ومحمد بن قيس أن قريشا قال بعضها لبعض أكرم الله تعالى
(١) المتعقب الشهاب اهـ منه