محمدا صلّى الله عليه وسلّم من بيننا اللهم إن كان هذا هو الحق إلخ وهو أبلغ في الجحود من القول الأول لأنهم عدوا حقيته محالا فلذا علقوا عليها طلب العذاب الذي لا يطلبه عاقل ولو كانت ممكنة لفرّوا من تعليقه عليها، وما يقال إن إن للخلو عن الجزم فكيف استعملت في صورة الجزم؟ أجاب عنه القطب بأنها لعدم الجزم بوقوع الشرط ومتى جزم بعدم وقوعه عدم الجزم بوقوعه، وهذا كقوله تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ [البقرة: ٢٣] وفيه بحث ذكره العلامة الثاني. واللام في الْحَقَّ قيل للعهد، ومعنى العهد في أنه الحق الذي ادعاه النبي صلّى الله عليه وسلّم وهو أنه كلام الله تعالى المنزل عليه الصلاة والسلام على النمط المخصوص ومِنْ عِنْدِكَ ان سلم دلالته عليه فهو للتأكيد وحينئذ فالمعلق به كونه حقا بالوجه الذي يدعيه النبي صلّى الله عليه وسلّم لا الحق مطلقا لتجوزيهم أن يكون مطابقا للواقع غير منزل «كأساطير الأولين» وفي الكشاف أن قولهم: هو الحق تهكم بمن يقول على سبيل التخصيص والتعيين، هذا هو الحق، وزعم بعضهم أن هذا قول بأن اللام للجنس وأشار إلى أن الأولى حملها على العهد الخارجي على معنى الحق المعهود المنزل من عند الله تعالى هذا لا أساطير الأولين فالتركيب مفيد لتخصيص المسند إليه بالمسند على آكد وجه، وحمل كلام البيضاوي على ذلك وطعن في مسلك الكشاف بعدم ثبوت قائل أولا على وجه التخصيص يتهكم به. ولا يخفى ما فيه من المنع والتعسف وأمطر استعارة أو مجاز لأنزل، وقد تقدم الكلام في المطر والأمطار، وقوله سبحانه: مِنَ السَّماءِ صفة حجارة وذكره للإشارة إلى أن المراد بها السجيل والحجارة المسومة للعذاب،
يروى أنها حجارة من طين طبخت بنار جهنم مكتوب فيها أسماء القوم،
وجوز أن يكون الجار متعلقا بالفعل قبله، والمراد بالعذاب الأليم غير أمطار الحجارة بقرينة المقابلة، ويصح أن يكون من عطف العام على الخاص، وتعلق مِنْ عِنْدِكَ بمحذوف قيل: هو حال مما عنده أو صفة له، وقرأ زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما والأعمش الْحَقَّ بالرفع على أن هو مبتدأ لا فصل، وقول الطبرسي: إنه لم يقرأ بذلك، ليس بذاك، ولا أرى فرقا بين القراءتين من جهة المراد بالتعريف خلافا لمن زعمه وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ جواب لكلمتهم الشنعاء وبيان لما كان الموجب لامهالهم وعدم إجابة دعائهم الذي قصدوا به ما قصدوا، واللام هي التي تسمى لام الجحود ولام النفي لاختصاصها بمنفي كان الماضية لفظا أو معنى، وهي اما زائدة أو غير زائدة والخبر محذوف، أي ما كان الله مريدا لتعذيبهم، وأيا ما كان فالمراد تأكيد النفي إما على زيادتها فظاهر وإما على عدم زيادتها وجعل الخبر ما علمت فلأن نفي إرادة الفعل أبلغ من نفيه، وقيل:
في وجه إفادة اللام تأكيد النفي هنا أنها هي التي في قولهم: أنت لهذه الخطة أي مناسب لها وهي تليق بك، ونفي اللياقة أبلغ من نفي أصل الفعل ولا يخلو عن حسن وإن قيل: إنه تكلف لا حاجة إليه بعد ما بينه النحاة في وجه ذلك، وحمل غير واحد العذاب على عذاب الاستئصال، واعترض بأنه لا دليل على هذا التقييد مع أنه لا يلائمه المقام وأجيب بمنع عدم الملاءمة، بل من أمعن النظر في كلامهم رآه مشعرا بطلب ذلك، والدليل على التقييد أنه وقع عليهم العذاب والنبي صلّى الله عليه وسلّم فيهم كالقحط فعلم أن المراد به عذاب الاستئصال والقرينة عليه تأكيد النفي الذي يصرفه إلى أعظمه، فالمراد من الآية الإخبار بأن تعذيبهم عذاب استئصال، والنبي صلّى الله عليه وسلّم بين أظهرهم خارج عن عادته تعالى غير مستقيم في حكمه وقضائه، والمراد بالاستغفار في قوله سبحانه: وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ اما استغفار من بقي بينهم من المؤمنين المستضعفين حين هاجر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وروي هذا عن الضحاك واختاره الجبائي، وقال الطيبي: إنه أبلغ لدلالته على استغفار الغير مما يدفع به العذاب عن أمثال هؤلاء الكفرة، وإسناد الاستغفار إلى ضمير الجميع لوقوعه فيما بينهم ولجعل ما صدر عن البعض كما قيل بمنزلة الصادر عن الكل فليس هناك تفكيك للضمائر كما يوهمه كلام ابن عطية.