تحقق المعطوف عليه يستدعي تحقق العطف حيث جعل ذلك مترتبا عليه ترتب المسبب على سببه والكل كما ترى الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ بدل من الموصول الأول أو عطف بيان أو نعت أو خبر مبتدأ محذوف أو نصب على الذم، وعائد الموصول قيل: ضمير الجمع المجرور، والمراد عاهدتهم ومن للايذان بأن المعاهدة التي هي عبارة عن إعطاء العهد وأخذه من الجانبين معتبرة هاهنا من حيث أخذه صلّى الله عليه وسلّم إذ هو المناط لما نعى عليهم من النقض لا إعطاؤه عليه الصلاة والسلام إياهم عهده كأنه قيل: الذين أخذت منهم عهدهم، وإلى هذا يرجع قولهم: إن من لتضمين العهد معنى الأخذ أي عاهدت آخذا منهم.
وقال أبو حيان: إنها تبعيضية لأن المباشر بعضهم لا كلهم، وذكر أبو البقاء أن الجار والمجرور في موضع الحال من العائد المحذوف، أي الذين عاهدتهم كائنين منهم، وقيل: هي زائدة وليس بذاك، وقوله سبحانه: ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ عطف على الصلة، وصيغة الاستقبال للدلالة على تعدد النقض وتجدده وكونهم على نيته في كل حال، أي ينقضون عهدهم الذي أخذ منهم فِي كُلِّ مَرَّةٍ أي من مرات المعاهدة كما هو الظاهر واختاره غير واحد، وجوز أن يراد في كل مرة من مرات المحاربة وفيه بحث وَهُمْ لا يَتَّقُونَ في موضع الحال من فاعل ينقضون، أي يستمرون على النقض والحال أنهم لا يتقون سبة الغدر ومغبته، أو لا يتقون الله فيه، وقيل: لا يتقون نصرة المسلمين وتسلطهم عليهم، والآية على ما قال جمع: نزلت في يهود قريظة عاهدوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن لا يمالئوا عليه فأعانوا المشركين بالسلاح فقالوا نسينا ثم عاهدهم عليه الصلاة والسلام فنكثوا ومالؤوهم عليه عليه الصلاة والسلام يوم الخندق وركب كعب إلى مكة فحالفهم على حرب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأخرج أبو الشيخ عن سعيد بن جبير أنها نزلت في ستة رهط من يهود منهم ابن تابوت، ولعله أراد بهم الرؤساء المباشرين للعهد فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ شروع في بيان أحكامهم بعد تفصيل أحوالهم، والفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها، والثقف يطلق على المصادفة وعلى الظفر، والمراد به هنا المترتب على المصادفة والملاقاة، أي إذا كان حالهم كما ذكر فإما تصادفنهم وتظفرن بهم فِي الْحَرْبِ أي في تضاعيفها فَشَرِّدْ بِهِمْ أي فرق بهم مَنْ خَلْفَهُمْ أي من وراءهم من الكفرة، يعني افعل بهؤلاء الذين نقضوا عهدك فعلا من القتل والتنكيل العظيم يفرق عنك ويخافك بسببه من خلفهم ويعتبر به من سمعه من أهل مكة وغيرهم، وإلى هذا يرجع ما قيل: من أن المعنى نكل به ليتعظ من سواهم. وقيل: إن معنى شرد بهم سمع بهم في لغة قريش قال الشاعر:
أطوّف بالأباطح كل يوم ... مخافة أن يشرّد بي حكيم
وقرأ ابن مسعود. والأعمش «فشرذ» بالذال المعجمة وهو بمعنى شرد بالمهملة، وعن ابن جني أنه لم يمر بنا في اللغة تركيب شرذ والأوجه أن تكون الذال بدلا من الدال، والجامع بينهما أنهما مجهوران ومتقاربان، وقيل: إنه قلب من شذر، ومنه شذر مذر للمتفرق. وذهب بعض أهل اللغة إلى أنها موجودة ومعناها التنكيل ومعنى المهمل التفريق كما قاله قطرب لكنها نادرة، وقرأ أبو حيوة «من خلفهم» بمن الجارة، والفعل عليها منزل منزلة اللازم كما في قوله:
يجرح في عراقيبها نصلي فالمعنى افعل التشريد من ورائهم، وهو في معنى جعل الوراء ظرفا للتشريد لتقارب معنى من وفِي تقول: اضرب زيدا من وراء عمرو وورائه أي في ورائه، وذلك يدل على تشريد من في تلك الجهة على سبيل الكناية فإن إيقاع التشريد في الوراء لا يتحقق إلا بتشريد من وراءهم فلا فرق بين القراءتين الفتح والكسر إلا في المبالغة لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ أي لعل المشردين يتعظون بما يعلمونه مما نزل بالناقضين فيرتدعون عن النقض قيل: أو عن الكفر