ابن عامر «أنهم» بفتح الهمزة وهو تعليل أيضا بتقدير اللام المطرد حذفها في مثله.
وقيل: الفعل واقع عليه، ولا صلة ويؤيده أنه قرىء بحذفها وسَبَقُوا حال بمعنى سابقين أي مفلتين هاربين.
وضعف بأن لا لا تكون صلة في موضع يجوز أن لا تكون كذلك وبأن المعهود كما قال أبو البقاء في المفعول الثاني لحسب في مثل ذلك أن تكون أن فيه مكسورة، وهذا على قراءة الخطاب لإزاحة ما عسى أن يحذر من عاقبة النبذ لما أنه إيقاظ للعدو وتمكين لهم من الهرب والخلاص من أيدي المؤمنين، وفيه نفي لقدرتهم على المقاومة والمقابلة على أبلغ وجه وآكده كما يشير إليه. وذكر الجبائي أن لا يُعْجِزُونَ على معنى لا يعجزونك على أنه خطاب أيضا للنبي عليه الصلاة والسلام ولا يخلو عن حسن، والظاهر أن عدم الإعجاز كيفما قدر المفعول إشارة إلى أنه سبحانه سيمكن منهم في الدنيا، فما روي عن الحسن أن المعنى لا يفوتون الله تعالى حتى لا يبعثهم في الآخرة غريب منه إن صح. وادعى الخازن أن المعنى على العموم على معنى لا يعجزون الله تعالى مطلقا اما في الدنيا بالقتل وإما في الآخرة بعذاب النار. وذكر أن فيه تسلية للنبي صلّى الله عليه وسلّم فيمن فاته من المشركين ولم ينتقم منه، وهو ظاهر على القول بأن الآية نزلت فيمن أفلت من فل المشركين، وروي ذلك عن الزهري. وقرىء «يعجزّون» بالتشديد.
وقرأ ابن محيصن «يعجزون» بكسر النون بتقدير يعجزونني فحذفت إحدى النونين للتخفيف والياء اكتفاء بالكسرة، ومثله كثير في الكتاب وَأَعِدُّوا لَهُمْ خطاب لكافة المؤمنين لما أن المأمور به من وظائف الكل أي أعدوا لقتال الذين نبذ إليهم العهد وهيئوا لحربهم كما يقتضيه السياق أو لقتال الكفار على الإطلاق وهو الأولى كما يقتضيه ما بعده مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ أي من كل ما يتقوى به في الحرب كائنا ما كان، وأطلق عليه القوة مبالغة، وإنما ذكر هذا لأنه لم يكن لهم في بدر استعداد تام فنبهوا على أن النصر من غير استعداد لا يتأتى في كل زمان، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما تفسير القوة بأنواع الأسلحة، وقال عكرمة: هي الحصون والمعاقل. وفي رواية أخرى عنه أنها ذكور الخيل.
وأخرج أحمد ومسلم وخلق كثير عن عقبة بن عامر الجهني قال: «سمعت النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول وهو على المنبر: «وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ألا إن القوة الرمي قالها ثلاثا»
والظاهر العموم إلا أنه عليه الصلاة والسلام خص الرمي بالذكر لأنه أقوى ما يتقوى به فهو من قبيل
قوله صلّى الله عليه وسلّم «الحج عرفة» .
وقد مدح عليه الصلاة والسلام الرمي وأمر بتعلمه في غير ما حديث،
وجاء عنه الصلاة والسلام «كل شيء من لهو الدنيا باطل إلا ثلاثة: انتضالك بقوسك وتأديبك فرسك وملاعبتك أهلك فإنها من الحق»
وجاء في رواية أخرجها النسائي وغيره «كل شيء ليس من ذكر الله تعالى فهو لغو وسهو إلا أربع خصال مشى الرجل بين الغرضين وتأديب فرسه وملاعبته أهله وتعليم السباحة» وجاء أيضا «انتضلوا واركبوا وأن تنتضلوا أحب إليّ إن الله تعالى ليدخل بالسهم الواحد ثلاثة الجنة: صانعه محتسبا والمعين به والرامي به في سبيل الله تعالى» .
وأنت تعلم أن الرمي بالنبال اليوم لا يصيب هدف القصد من العدو لأنهم استعملوا الرمي بالبندق والمدافع ولا يكاد ينفع معهما نبل وإذا لم يقابلوا بالمثل عم الداء العضال واشتد الوبال والنكال وملك البسيطة أهل الكفر والضلال فالذي أراه والعلم عند الله تعالى تعين تلك المقابلة على أئمة المسلمين وحماة الدين، ولعل فضل ذلك الرمي يثبت لهذا الرمي لقيامه مقامه في الذب عن بيضة الإسلام ولا أرى ما فيه من النار للضرورة الداعية إليه إلا سببا للفوز بالجنة إن شاء الله تعالى، ولا يبعد دخول مثل هذا الرمي في عموم قوله سبحانه: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ