للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المقابل للجوهر، أي تريدون حطام الدنيا بأخذكم الفدية، وقرىء «يريدون» بالياء، والظاهر أن ضمير الجمع لأصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ أي يريد لكم ثواب الآخرة أو سبب نيل الآخرة من الطاعة بإعزاز دينه وقمع أعدائه، فالكلام على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه، وذكر نيل في الاحتمال الثاني قيل: للتوضيح لا لتقدير مضافين، والإرادة هنا بمعنى الرضا، وعبر بذلك للمشاكلة فلا حجة في الآية على عدم وقوع مراد الله تعالى كما يزعمه المعتزلة، وزيادة لكم لأنه المراد، وقرأ سليمان بن جماز المدني «الآخرة» بالجر وخرجت على حذف المضاف وإبقاء المضاف إليه على جره، وقدره أبو البقاء عرض الآخرة وهو من باب المشاكلة وإلا فلا يحسن لأن أمور الآخرة مستمرة، ولو قيل: إن المضاف المحذوف على القراءة الأولى ذلك لذلك أيضا لم يبعد، وقدر بعضهم هنا كما قدرنا هناك من الثواب أو السبب، ونظير ما ذكره قوله:

أكل امرئ تحسبين أمرأ ... ونار توقّد في الليل نارا

وفي رواية من جر نار الأولى، وأبو الحسن يحمله على العطف على معمولي عاملين مختلفين وَاللَّهُ عَزِيزٌ يغلب أولياءه على أعدائه حَكِيمٌ يعلم ما يليق بكل حال ويخصه بها كما أمر بالإثخان ونهى عن أخذ الفدية حيث كان الإسلام غضّا وشوكة أعدائه قوية، وخير بينه وبين المن بقوله تعالى: فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً [محمد: ٤] لما تحولت الحال واستغلظ زرع الإسلام واستقام على سوقه.

أخرج أحمد والترمذي وحسنه. والطبراني. والحاكم وصححه عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: «لما كان يوم بدر جيء بالأسارى وفيهم العباس فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ما ترون في هؤلاء الأسارى؟ فقال أبو بكر رضي الله تعالى عنه: يا رسول الله قومك وأهلك استبقهم لعل الله تعالى أن يتوب عليهم، وقال عمر رضي الله تعالى عنه: يا رسول الله كذبوك وأخرجوك وقاتلوك قدمهم فاضرب أعناقهم، وقال عبد الله بن رواحة رضي الله تعالى عنه: يا رسول الله انظر واديا كثير الحطب فأضرمه عليهم نارا. فقال العباس وهو يسمع ما يقول: قطعت رحمك، فدخل النبي صلّى الله عليه وسلّم ولم يردّ عليهم شيئا، فقال أناس: يأخذ بقول أبي بكر، وقال أناس: يأخذ بقول عمر، وقال أناس: يأخذ بقول عبد الله بن رواحة فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: إن الله تعالى ليلين قلوب رجال حتى تكون ألين من اللبن، وإن الله سبحانه ليشدد قلوب رجال فيه حتى تكون أشد من الحجارة، مثلك يا أبا بكر مثل إبراهيم عليه السلام قال: فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [إبراهيم: ٣٦] ومثلك يا أبا بكر مثل عيسى عليه السلام قال: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [المائدة: ١١٨] ومثلك يا عمر كمثل موسى عليه السلام إذ قال: رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ [يونس: ٨٨] فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ [يونس: ٨٨] ومثلك يا عمر نوح إذ قال: رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً أنتم عالة فلا يفلتن أحد إلا بفداء أو ضرب عنق، فقال عبد الله رضي الله تعالى عنه: يا رسول الله إلا سهيل بن بيضاء فإني سمعته يذكر الإسلام، فسكت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فما رأيتني في يوم أخوف من أن تقع عليّ الحجارة من السماء مني في ذلك اليوم حتى قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: إلا سهيل بن بيضاء» .

وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما «قال عمر رضي الله تعالى عنه: فهوى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما قال أبو بكر ولم يهو ما قالت وأخذ منهم الفداء، فلما كان الغد جئت فإذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبو بكر قاعدان يبكيان قلت: يا رسول الله أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك فإن وجدت بكاء بكيت وإن لم أجد تباكيت لبكائكما؟ فقال رسول الله

<<  <  ج: ص:  >  >>