أبو البقاء بأن فيه الفصل بين البدل والمبدل منه بخبر العامل في المبدل، وجوز بعض أن يجعل اثْنا عَشَرَ مبتدأ وعِنْدَ خبر مقدم والجملة خبر إن أو إن الظرف لاعتماده عمل الرفع اثْنا عَشَرَ، وقوله سبحانه: مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ يجوز أن يكون صفة لاثنا عشر وأن يكون حالا من الضمير في الظرف وأن يكون جملة مستأنفة وضمير مِنْها على كل تقدير لاثنا عشر، وهذه الأربعة ذو القعدة، وذو الحجة. والمحرم. ورجب مضر. واختلف في ترتيبها فقيل: أولها المحرم وآخرها ذو الحجة فهي من شهور عام، وظاهر ما أخرجه سعيد بن منصور وابن مردويه عن ابن عباس يقتضيه.
وقيل: أولها رجب فهي من عامين واستدل له بما
أخرجه ابن جرير. وغيره عن ابن عمر قال: خطبنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في حجة الوداع بمعنى في أوسط أيام التشريق فقال: «يا أيها الناس إن الزمان قد استدار فهو اليوم كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض وإن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم أولهن رجب مضر بين جمادى وشعبان.
وذو القعدة. وذو الحجة. والمحرم» .
وقيل: أولها ذو القعدة وصححه النووي لتواليها.
وأخرج الشيخان «ألا إن الزمان قد استدار كهيئة يوم خلق الله السموات والأرض السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم ثلاثة متواليات ورجب مضر» الحديث،
وأضيف رجب إليهم لأن ربيعة كانوا يحرمون رمضان ويسمونه رجب ولهذا بين في الحديث بما بين.
وقيل: إن ما ذكر من أنها على الترتيب الأول من شهور عام وعلى الثاني من شهور عامين مما يتمشى على أن أول السنة المحرم وهو إنما حدث في زمن عمر رضي الله تعالى عنه وكان يؤرخ قبله بعام الفيل وكذا بموت هشام بن المغيرة ثم أرخ بصدر الإسلام بربيع الأول وعلى هذا التاريخ يكون الأمر على عكس ما ذكر ولم يبين هذا القائل ما أول شهور السنة عند العرب قبل الفيل، والذي يفهم من كلام بعضهم أن أول الشهور المحرم عندهم من قبل أيضا إلا أن عندهم في اليمن والحجاز تواريخ كثيرة يتعارفونها خلفا عن سلف ولعلها كانت باعتبار حوادث وقعت في الأيام الخالية، وأنه لما هاجر النبي صلّى الله عليه وسلّم اتخذ المسلمون هجرته مبدأ التاريخ وتناسوا ما قبله وسموا كل سنة أتت عليهم باسم حادثة وقعت فيها كسنة الاذن. وسنة الأمر. وسنة الابتلاء وعلى هذا المنوال إلى خلافة عمر رضي الله تعالى عنه فسأله بعض الصحابة في ذلك وقال: هذا يطول وربما يقع في بعض السنين اختلاف وغلط فاختار رضي الله تعالى عنه عام الهجرة مبدأ من غير تسمية السنين بما وقع فيها فاستحسنت الصحابة رأيه في ذلك. وفي بعض شروح البخاري أن أبا موسى الأشعري كتب إليه إنه يأتينا من أمير المؤمنين كتب لا ندري بأيها نعمل، وقد قرأنا صكا محله شعبان فلم ندر أي الشعبانين الماضي أم الآتي.
وقيل: إنه هو رضي الله تعالى عنه رفع صك محله شعبان فقال: أي شعبان هو؟ ثم قال: إن الأموال قد كثرت فينا وما قسمناه غير مؤقت فكيف التوصل إلى ضبطه فقال له ملك الأهواز وكان قد أسر وأسلم على يده: إن للعجم حسابا يسمونه- ماهروز- يسندونه إلى من غلب من الأكاسرة ثم شرحه له وبين كيفيته فقال رضي الله تعالى عنه:
ضعوا للناس تاريخا يتعاملون عليه وتضبط أوقاتهم فذكروا له تاريخ اليهود فما ارتضاه والفرس فما ارتضاه فاستحسنوا الهجرة تاريخا انتهى.
وما ذكر من أنهم كانوا يؤرخون في صدر الإسلام بربيع الأول فيه إجمال ويتضح المراد منه بما في النبراس من أنهم كانوا يؤرخون على عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم بسنة القدوم وبأول شهر منها وهو ربيع الأول على الأصح فليفهم، والشهر عندهم ينقسم إلى شرعي. وحقيقي. واصطلاحي، فالشرعي معتبر برؤية الهلال بالشرط المعروف في الفقه، وكان أول