عبد الله: فأنا رأيت الرجل متعلقا بحقب ناقة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والحجارة تنكيه وهو يقول: يا رسول الله إنا كنا نخوض ونلعب ورسول الله عليه الصلاة والسلام يقول ما أمره الله تعالى به في قوله سبحانه: قُلْ أَبِاللَّهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ
وجاء في بعض الروايات أن هذا المتعلق عبد الله بن أبي رأس المنافقين وهل أنكروا ما قالوه واعتذروا بهذا العذر الباطل أو لم ينكروه وقالوا ما قالوا فيه خلاف والإمام على الثاني وهو أوفق بظاهر النظم الجليل.
وأصل الخوض الدخول في مائع مثل الماء والطين ثم كثر حتى صار اسما لكل دخول فيه تلويث وإذاء وأرادوا إنما نلعب ونتلهى لتقصر مسافة السفر بالحديث والمداعبة كما يفعل الركب ذلك لقطع الطريق ولم يكن ذلك منا على طريق الجد، والاستفهام للتوبيخ، وأولى المتعلق إيذانا بأن الاستهزاء واقع لا محالة لكن الخطاب في المستهزأ به، أي قل لهم غير ملتفت إلى اعتذارهم ناعيا عليهم جناياتهم قد استهزأتم بمن لا يصح الاستهزاء به وأخطأتم مواقع فعلكم الشنيع الذي طالما ارتكبتموه، ومن تأمل علم أن قولهم السابق في سبب النزول متضمن للاستهزاء المذكور لا تَعْتَذِرُوا أي لا تشتغلوا بالاعتذار وتستمروا عليه فليس النهي عن أصله لأنه قد وقع، وإنما نهوا عن ذلك لأن ما يزعمونه معلوم الكذب بين البطلان، والاعتذار قيل: إنه عبارة عن محو أثر الذنب من قولهم: اعتذرت المنازل إذا درست لأن المعتذر يحاول إزالة أثر ذنبه واندراسه.
وقيل: هو القطع ومنه يقال للقلفة عذرة لأنها تعذر أي تقطع وللبكارة عذرة لأنها تقطع بالافتراع، ويقال:
اعتذرت المياه إذا انقطعت فالعذر لما كان سببا لقطع اللوم سمي عذرا، والقولان منقولان عن أهل اللغة وهما على ما قال الواحدي متقاربان قَدْ كَفَرْتُمْ أي أظهرتم الكفر بإيذاء الرسول عليه الصلاة والسلام والطعن فيه بَعْدَ إِيمانِكُمْ أي إظهاركم الإيمان وهذا وما قبله لأن القوم منافقون فأصل الكفر في باطنهم ولا إيمان في نفس الأمر لهم.
واستدل بعضهم بالآية على أن الجد واللعب في إظهار كلمة الكفر سواء ولا خلاف بين الأئمة في ذلك إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ لتوبتهم وإخلاصهم على أن الخطاب لجميع المنافقين أو لتجنبهم عن الإيذاء والاستهزاء على أن الخطاب للمؤذين والمستهزئين منهم، والعفو في ذلك عن عقوبة الدنيا العاجلة نُعَذِّبْ طائِفَةً بِأَنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ أي مصرين على النفاق وهم غير التائبين أو مباشرين له وهم غير المجتنبين.
أخرج ابن إسحاق وابن المنذر وابن أبي حاتم عن كعب بن مالك قال من خبر فيه طول: كان الذي عفي عنه مخشي بن حمير الأشجعي فتسمى عبد الرحمن وسأل الله تعالى أن يقتل شهيدا لا يعلم مقتله فقتل يوم اليمامة فلم يعلم مقتله ولا قاتله ولم ير له عين ولا أثر.
وفي بعض الروايات أنه لما نزلت هذه الآية تاب عن نفاقه وقال: اللهم إني لا أزال أسمع آية تقشعر منها الجلود وتجب منها القلوب اللهم اجعل وفاتي قتلا في سبيلك لا يقول أحد أنا غسلت أنا كفنت أنا دفنت فأصيب يوم اليمامة واستجيب دعاؤه رضي الله تعالى عنه. ومن هنا قال مجاهد: إن الطائفة تطلق على الواحد إلى الألف، وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: الطائفة الواحد والنفر، وقرىء «يعف» و «يعذب» بالياء وبناء الفاعل فيهما وهو الله تعالى.
وقرىء «إن تعف» و «تعذب» بالتاء والبناء للمفعول. واستشكلت هذه القراءة بأن الفعل الأول مسند فيها إلى الجار والمجرور ومثله يلزم تذكيره ولا يجوز تأنيثه إذا كان المجرور مؤنثا فيقال سير على الدابة ولا يقال سيرت عليها.
وأجيب بأن ذلك من الميل مع المعنى والرعاية له فلذا أنث لتأنيث المجرور إذ معنى نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ ترحم طائفة وهو من غرائب العربية، وقيل: لو قيل بالمشاكلة لم يبعد، وقيل: إن نائب الفاعل ضمير الذنوب والتقدير إن تعف هي أي الذنوب، ومن الناس من استشكل الشرطية من حيث هي بأنه كيف يصح أن يكون نُعَذِّبْ طائِفَةً جوابا للشرط