التعجيل وذلك واقع من الله تعالى وهذا مضاف إليهم فلا يجوز ما قرره الزمخشري وأتباعه: وأجاب السفاقسي بأن استفعل هنا للدلالة على وقوع الفعل لا على ما طلبه كاستقر بمعنى أقر، وقوله: وهذا مضاف إليهم مبني على أن المصدر مضاف للفاعل ويحتمل أن يكون مضافا للمفعول ولا يخفى أن كل ذلك ناشىء من قلة التدبر، ومعنى قوله سبحانه:
لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ لأميتوا وأهلكوا بالمرة يقال: قضي إليه أجله أي أنهى إليه مدته التي قدر فيها موته فهلك، وفي إيثار صيغة المبنى للمفعول جرى على سنن الكبرياء مع الإيذان بتعين الفاعل. وقرأ ابن عامر. ويعقوب «لقضى» على البناء للفاعل، وقرأ عبد الله «لقضينا» وفيه التفات، واختيار صيغة الاستقبال في الشرط وإن كان المعنى على المضي لإفادة أن عدم قضاء الأجل لاستمرار عدم التعجيل فإن المضارع المنفي للواقع موقع الماضي ليس بنص في إفادة انتفاء استمرار الفعل بل قد يفيد استمرار انتفائه أيضا بحسب المقام كما حقق في موضعه.
وذكر بعض المحققين أن المقدم هاهنا ليس نفس التعجيل المذكور بل هو إرادته المستتبعة للقضاء المذكور وجودا وعدما لأن القضاء ليس أمرا مغايرا لتعجيل الشر في نفسه بل هو إما نفسه أو جزئي منه كسائر جزئياته من غير مزية له على البقية إذ لم يعتبر في مفهومه ما ليس في مفهوم تعجيل الشر من الشدة والهول فلا يكون في ترتبه عليه وجودا أو عدما مزيد فائدة مصححة لجعله تاليا له فليس كقوله تعالى: لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ [الحجرات: ٧] ولا كقوله سبحانه: وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلى رَبِّهِمْ [الأنعام: ٣٠] وقوله تعالى: وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ [فاطر: ٤٥] إذا فسر الجواب بالاستئصال، وأيضا في ترتيب التالي على إرادة المقدم ما ليس في ترتيبه على المقدم نفسه من الدلالة على المبالغة وتهويل الأمر والدلالة على أن الأمور منوطة بإرادته تعالى المبنية على الحكم البالغة.
وقوله سبحانه فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا أي نتركهم إمهالا واستدراجا فِي طُغْيانِهِمْ الذي هو عدم رجاء اللقاء وإنكار البعث والجزاء وما يتفرع على ذلك من الأعمال السيئة والمقالات الشنيعة يَعْمَهُونَ أي يترددون ويتحيرون، لا يصح عطفه على شرط «لو» ولا على جوابها لانتفائه وهو مقصود إثباته وليست «لو» بمعنى أن كما قيل فهو إما معطوف على مجموع الشرطية لأنها في معنى لا يعجل لهم وفي قوته فكأنه قيل: لا يعجل بل يذرهم أو معطوف على مقدر تدل عليه الشرطية أي ولكن يمهلهم أو ولكن لا يعجل ولا يقضي فيذرهم وبكل قال بعض، وقيل:
الجملة مستأنفة والتقدير فنحن نذرهم، وقيل: إن الفاء واقعة في جواب شرط مقدر والمعنى لو يعجل الله تعالى ما استعجلوه لأبادهم ولكن يمهلهم ليزيدوا في طغيانهم ثم يستأصلهم وإذا كان كذلك فنحن نذر هؤلاء الذين لا يرجون لقاءنا في طغيانهم يترددون ثم نقطع دابرهم. وصاحب الكشف بعد ما قرر أن اتصال وَلَوْ يُعَجِّلُ إلخ بقوله تعالى:
إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا إلخ وأن ذكر المؤمنين إنما وقع في البين تتميما ومقابلة وليس بأجنبي قال: إنه لا حاجة إلى جعل هذا جواب شرط مقدر، وفي وضع الموصول موضع الضمير نوع بيان للطغيان بما في حيز الصلة وإشعار بعليته للترك والاستدراج. وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ أي إذا أصابه جنس الضر من مرض وفقر وغيرهما من الشدائد إصابة يسيرة، وقيل: مطلقا دَعانا لكشفه وإزالته لِجَنْبِهِ في موضع الحال ولذا عطف عليه الحال الصريحة أعني قوله سبحانه: أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً أي دعانا مضطجعا أو ملقى لجنبه، واللام على ظاهرها، وقيل: إنها بمعنى على كما في قوله تعالى: يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ [الإسراء: ١٠٩] ولا حاجة إليه وقد يعبر بعلى وهي تفيد استعلاءه عليه واللام تفيد اختصاص كينونته واستقراره بالجنب إذ لا يمكنه الاستقرار على غير تلك الهيئة ففيه مبالغة زائدة.
واختلف في ذي الحال فقيل: إنه فاعل دَعانا وقيل: هو مفعول مَسَّ واستضعف بأمرين: أحدهما تأخر