وقال شيخ الإسلام: لعلهم يقولون: سبحانك اللهم عند ما يعاينون من تعاجيب آثار قدرته تعالى ونتائج رحمته ورأفته ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر تقديسا لمقامه تعالى عن شوائب العجز والنقصان وتنزيها لوعده الكريم عن سمات الخلف ويكون خاتمة دعائهم أن يقولون: الحمد لله رب العالمين نعتا له تعالى شأنه بصفات الإكرام إثر نعته بصفات الجلال، والمعنى دعاؤهم منحصر فيما ذكر إذ ليس لهم مطلب مترقب حتى ينظموه في سلك الدعاء، ولعل توسيط ذكر تحيتهم عند الحكاية بين دعائهم وخاتمته للتوسل إلى ختم الحكاية بالتحميد تبركا مع أن التحية ليست بأجنبية على الإطلاق انتهى. وكأنه أراد بعدم كون التحية أجنبية على الإطلاق كونها دعاء معنى، وكلامه نص في أن الترتيب الوقوعي مخالف للترتيب الذكرى، ولا يخفى أن توجيه توسيط ذكر التحية بما ذكره مما لا يكاد يرتضيه منصف على أنه غفل هو وسائر من وقفنا على كلامه من المفسرين عن توجيه اسمية الجمل فافهم، والله تعالى أعلم وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ هم الذين لا يرجون لقاء الله تعالى المذكورون في قوله سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا إلخ، والآية متصلة بذلك دالة على استحقاقهم للعذاب وأنه سبحانه إنما يمهلهم استدراجا وذكر المؤمنين وقع في البين تتميما ومقابلة. وجيء بالناس بدل ضميرهم تفظيعا للأمر.
وفي إرشاد العقل السليم إنما أوردوا باسم الجنس لما أن تعجيل الخير لهم ليس دائرا على وصفهم المذكور إذ ليس كل ذلك بطريق الاستدراج، والمراد لو يعجل الله تعالى لهم الشَّرَّ الذي كانوا يستعجلون به تكذيبا واستهزاء فإنهم كانوا يقولون: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم، ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ونحو ذلك.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة أنه قال: هو دعاء الرجل على نفسه وماله بما يكره أن يستجاب له، وأخرجا عن مجاهد أنه قال: هو قول الإنسان لولده وما له إذا غضب اللهم لا تبارك فيه. اللهم العنه، وفيه حمل- الناس- على العموم والمختار الأول، ويؤيده ما قيل: من أن الآية نزلت في النضر بن الحارث حين قال: اللهم إن كان هذا هو الحق إلخ، وقوله سبحانه: اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ نصب على المصدرية، والأصل- على ما قال أبو البقاء- تعجيلا مثل استعجالهم فحذف تعجيلا وصفته المضافة وأقيم المضاف إليه مقامها.
وفي الكشاف وضع اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ موضع تعجيله لهم إشعارا بسرعة إجابته سبحانه لهم وإسعافه بطلبتهم حتى كأن استعجالهم بالخير تعجيل له وهو كلام رصين يدل على دقة نظر صاحبه كما قال ابن المنير، إذ لا يكاد يوضع مصدر مؤكد مقارنا لغير فعله في الكتاب العزيز بدون مثل هذه الفائدة الجليلة، والنحاة يقولون في ذلك:
أجري المصدر على فعل مقدر دل عليه المذكور ولا يزيدون عليه، وإذا راجع الفطن قريحته وناجى فكرته علم أنه إنما قرن بغير فعله لفائدة وهي في قوله تعالى: وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً [نوح: ١٧] التنبيه على نفوذ القدرة في المقدور وسرعة إمضاء حكمها حتى كأن إنبات الله تعالى لهم نفس نباتهم أي إذا وجد الإنبات وجد النبات حتما كأن أحدهما عين الآخر فقرن به وقال الطيبي: كان أصل الكلام ولو يجعل الله للناس الشر تعجيله ثم وضع موضعه الاستعجال ثم نسب إليهم فقيل استعجالهم بالخير لأن المراد أن رحمته سبقت غضبه فأريد مزيد المبالغة وذلك أن استعجالهم الخير أسرع من تعجيل الله تعالى لهم ذلك فإن الإنسان خلق عجولا والله تعالى صبور حليم يؤخر للمصالح الجمة التي لا يهتدي إليها عقل الإنسان ومع ذلك يسعفهم بطلبتهم ويسرع إجابتهم. وأوجب أبو حيان كون التقدير تعجيلا مثل استعجالهم أو أن ثم محذوفا يدل عليه المصدر أي لو يعجل الله للناس الشر إذا استعجلوه استعجالهم بالخير قال: لأن مدلول عجل غير مدلول استعجل لأن عجل يدل على الوقوع واستعجل يدل على طلب