للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الاستقبال لاستحضار الصورة أو للدلالة على التجدد والاستمرار أي نعدهم وعدا متجددا حسبما تقتضيه الحكمة من إنذار غب إنذار.

وفي تخصيص البعض بالذكر قيل رمز إلى أن العدة بإراءة بعض الموعود وقد أراه صلّى الله عليه وسلم ذلك يوم بدر ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلى ما يَفْعَلُونَ من الأفعال السيئة التي حكيت عنهم، والمراد من الشهادة لازمها مجازا وهو المعاقبة والجزاء فكأنه قيل: ثم الله تعالى معاقب على ما يفعلون، وجوز أن يراد منها إقامتها وأداؤها بإنطاق الجوارح وإلا فشهادة الله سبحانه بمعنى كونه رقيبا وحافظا أمر دائم في الدارين وثُمَّ لا تناسب ذلك، والظاهر أنها على هذين الوجهين على ظاهرها. وفي الكشف وغيره هي على الأول للتراخي الرتبي وعلى الثاني على الظاهر وظاهر كلام البعض استحسان حملها على التراخي الرتبي مطلقا ولا أرى لارتكاب خلاف الظاهر بعد ذلك الارتكاب داعيا، وأن العطف بها على الجزاء لا على مجموع الشرطية، وأنت تعلم أن العطف على ذاك يمنع من إرادة التعذيب منه أو إراءته أو نحو ذلك مما لا يصح أن يكون المعنى المعطوف بثم بعده ومترتبا عليه، ولعل ما اعتبروه هناك ليس تفسيرا للرجوع بل هو بيان للمقصود من الكلام، وإظهار اسم الجلالة لإدخال الروعة وتربية المهابة وتأكيد التهديد. وقرأ ابن أبي عبلة ثُمَّ بالفتح أي هنالك وَلِكُلِّ أُمَّةٍ يوم القيامة رَسُولٌ تنسب إليه وتدعى به فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ الموقف ليشهد عليهم بالكفر والإيمان قُضِيَ بَيْنَهُمْ أي بعد أن يشهد بِالْقِسْطِ بالعدل وحكم بنجاة المؤمن وعقاب الكافر وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ أصلا والجملة قيل تذييل لما قبلها مؤكدة له.

وقيل: في موضع الحال أي مستمرا عدم ظلمهم، ونظير هذه الآية على هذا قوله سبحانه: وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَداءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ [الزمر: ٦٩] أو لكل أمة من الأمم الخالية رسول يبعث إليهم بشريعة اقتضتها الحكمة ليدعوهم إلى الحق فإذا جاء رسولهم فبلغهم ودعاهم فكذبوه وخالفوه قضي بينهم أي بين كل أمة ورسولها بالعدل وحكم بنجاة الرسول والمؤمنين به وهلاك المكذبين والأول مما رواه ابن جرير وغيره عن مجاهد، والاستقبال عليه على ظاهره ولا يحتاج إلى تقدير مثل ما احتيج في التفسير الثاني وقد رجح بقوله تعالى:

وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ بناء على أن الظاهر أن المراد بالوعد الذي أشاروا إليه العذاب الدنيوي الموعود كما يرشد إليه ما بعد. واستشكل ما يقتضيه ظاهر الآية من أن الله تعالى لم يهمل أمة من الأمم قط بل بعث إلى كل واحدة منهم رسولا بأن أهل الفترة ليست فيهم رسول كما يشهد له قوله سبحانه: لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ [يس: ٦] وأجيب بأن عموم الآية لا يقتضي أن يكون الرسول حاضرا مع كل أمة منهم لأن تقدمه على بعض منهم لا يمنع من كونه رسولا إلى ذلك البعض كما لا يمنع تقدم رسولنا صلّى الله عليه وسلم من كونه مبعوثا إلينا إلى آخر الأبد غاية ما في الباب أن ما وقع من تخليط القوم في زمن الفترة يكون مؤديا إلى ضعف أثر دعوة الأنبياء عليهم السلام انتهى وهو كما ترى. وقد يقال: إن المراد من كل أمة كل جماعة أراد الله تعالى تكليفها حسبما سبق به علمه أو أراد سبحانه تنفيذ كلمته فيها أو نحو ذلك من المخصصات التي لا يلغو معها الحكم لا كل جماعة من الناس مطلقا فلا إشكال أصلا فتدبر. ثم إن هذا القول من المكذبين استعجال لما وعدوا به وغرضهم منه على ما قيل استبعاد الموعود وأنه مما لا يكون وقد يراد بالاستفهام الاستبعاد ابتداء إذ المقام يقتضيه ولا مانع عنه والقول بأن ذلك إنما يكون ابتداء بأين وأنى ونحوهما دون متى غير مسلم كيف وهو معنى مجازي والمجاز لا حجر فيه والخطاب لسيد المخاطبين عليه الصلاة والسلام والمؤمنين الذين يتلون عليهم الآيات المتضمنة لذلك، وجواب إِنْ محذوف اعتمادا على ما تقدمه أي إن كنتم صادقين في أنه يأتينا فليأتنا عجلة، ولكونه صلّى الله عليه وسلم هو الواسطة في إتيان ذلك ومنه نشأ الوعد دون

<<  <  ج: ص:  >  >>