المؤمنين أمر صلّى الله عليه وسلم بالجواب بقوله سبحانه: قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلا نَفْعاً أي لا أقدر على شيء منهما بوجه من الوجوه وتقديم الضر لما أن مساق النظم الكريم لإظهار العجز عنه وأما ذكر النفع فللتعميم إظهارا لكمال العجز، وقيل: إنه استطرادي لئلا يتوهم اختصاص ذلك بالضر والأول أولى، وما وقع في سورة الأعراف من تقديم النفع فللإشعار بأهميته والمقام مقامه، والمعنى لا أملك شيئا من شؤوني ردا وإيرادا مع إن ذلك أقرب حصولا فكيف أملك شؤونكم حتى أتسبب في إتيان عذابكم الموعود حسبما تريدون إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ استثناء منقطع عند جمع أي ولكن ما شاء الله تعالى كائن، وقيل: متصل على معنى إلا ما شاء الله تعالى أن أملكه، وتعقب بأنه يأباه مقام التبري عن أن يكون له صلّى الله عليه وسلم دخل في إتيان الوعد فإن ذلك يستدعي بيان كون المتنازع فيه مما لا يشاء أن يملكه عليه الصلاة والسلام: والمعتزلة قالوا باتصال الاستثناء واستدلوا بذلك على أن العبد مستقل بأفعاله من الطاعات والمعاصي، وأنت تعلم أن ذلك بمراحل عن إثبات مدعاهم. نعم استدل بها بعض من يرى رأي السلف من أن للعبد قدرة مؤثرة بإذن الله تعالى لا أنه ليس له قدرة أصلا كما يقوله الجبرية، ولا أن له قدرة لكنها غير مؤثرة كما هو المشهور عن الأشاعرة، ولا أن له قدرة مؤثرة إن شاء الله تعالى وإن لم يشأ كما هو رأي المعتزلة وقال: المعنى لا أقدر على شيء من الضر والنفع إلا ما شاء الله تعالى أن أقدر عليه منهما فإني أقدر عليه بمشيئته سبحانه، وقال بعضهم: إذا كان الملك بمعنى الاستطاعة يكون الاستثناء متصلا وإذا أبقي على ظاهره تعين الانقطاع، ولا يخفى أن الأصل الاتصال ولا ينبغي العدول عنه حيث أمكن من دون تعسف، وأيا ما كان فظاهر كلامهم أن الاستثناء من المفعول إلا أنه على تقدير الانقطاع ليس المعنى على إخراج المستثنى من حكم المستثنى منه ولذا جعل الحكم على ذلك التقدير أنه كائن دون أملكه مثلا فلا تدافع في كلام من حكم بالانقطاع وقال في بيان المعنى أي ولكن ما شاء الله تعالى من ذلك كائن مشيرا بذلك إلى النفع والضر فإنه صريح في كون المستثنى من جنس المستثنى منه المقتضي للاتصال لأن المدار عند المحققين في الأمرين على الإخراج من الحكم وعدمه.
ومما يقضي منه العجب زعم أن الاستثناء من فاعل لا أَمْلِكُ وجعل المعنى لا أملك أنا ولكن الله سبحانه هو المالك لكل ما يشاء بمشيئته لِكُلِّ أُمَّةٍ من الأمم الذين أصروا على تكذيب رسلهم أَجَلٌ لعذابهم يحل بهم عند حلوله لا يتعدى إلى أمة أخرى إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ أي أجل كل أمة على ما هو الظاهر، ووضع الظاهر موضع الضمير لزيادة التقرير، والإضافة لإفادة كمال التعيين، وجوز أن يكون الضمير للأمم المدلول عليه بكل أمة، ووجه إظهار الأجل مضافا لذلك بأنه لإفادة المعنى المقصود الذي هو بلوغ كل أمة أجلها الخاص بها ومجيئه إياها بعينها من بين الأمم بواسطة اكتساب الأجل بإضافته عموما يفيده معنى الجمعية كأنه قيل: إذا جاءتهم آجالهم بالجمع كما قرأ به ابن سيرين بأن يجيء كل واحد من تلك الأمم أجلها الخاص بها، ويفسر الأجل بحد معين من الزمان والمجيء عليه ظاهر وبما امتد إليه من ذلك فمجيئه حينئذ عبارة عن انقضائه إذ هناك يتحقق مجيئه بتمامه أي إذا تم وانقضى أجلهم الخاص بهم فَلا يَسْتَأْخِرُونَ عنه ساعَةً أي شيئا قليلا من الزمان وَلا يَسْتَقْدِمُونَ عليه، والاستفعال عند جمع على أصله، ونفي طلب التأخر والتقدم أبلغ، وقال آخرون: إنه بمعنى التفعل أي لا يتأخرون ولا يتقدمون، والجملة الثانية إما مستأنفة أو معطوفة على القيد والمقيد ومنعوا عطفها على فَلا يَسْتَأْخِرُونَ لئلا يرد أنه لا يتصور التقدم بعد مجيء الأجل فلا فائدة في نفيه، وأجازه غير واحد والفائدة عنده في ذلك المبالغة في انتفاء التأخر لأنه لما نظم في سلكه أشعر بأنه بلغ في الاستحالة إلى مرتبته فهو مستحيل مثله للتقدير الإلهي وإن أمكن في نفسه، قيل: وهذا هو السر في إيراد صيغة الاستفعال أي إنه بلغ في الاستحالة إلى أنه لا يطلب إذ المحال لا يطلب. ودفع بعضهم ذلك بأن