للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اعتراضية غير واحد من المعربين ويستفاد منه أنه لا بأس (١) الجملة الاعتراضية إذا بقي شيء من متعلقاتها، وجوز أن يكون بدلا من الكاف التي هي بمعنى مثل أو من المحذوف الذي نابت عنه.

وقيل: إن كَذلِكَ منصوب- بننجي- الأول وحَقًّا منصوب بالثاني وهو خلاف الظاهر، والمراد بالمؤمنين إما الجنس المتناول للرسل عليهم السلام وأتباعهم فقط، وإما الأتباع فقط وإنما لم يذكر إنجاء الرسل إيذانا بعدم الحاجة إليه، وأيّا ما كان ففيه تنبيه على أن مدار الإنجاء هو الإيمان، وجيء بهذه الجملة تذييلا لما قبلها مقررا لمضمونه قُلْ لجميع من شك في دينك وكفر بك يا أَيُّهَا النَّاسُ أوثر الخطاب باسم الجنس مصدرا بحرف التنبيه تعميما للتبليغ وإظهارا لكمال العناية بشأن ما بلغ إليهم إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي الذي أعبد الله تعالى به وأدعوكم إليه ولم تعلموا ما هو ولا صفته حتى قلتم إنه صبأ.

فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ في وقت من الأوقات وَلكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ ثم يفعل بكم ما يفعل من فنون العذاب، وجعل هذه الجملة باعتبار مضمونها جوابا بتأويل الأخبار وإلا فلا ترتب لها على الشرط بحسب الظاهر، فالمعنى إن كنتم في شك من ذلك فأخبركم أنه تخصيص العبادة به تعالى ورفض عبادة ما سواه من الأصنام وغيرها مما تعبدونه جهلا، وقد كثر جعل الأخبار بمفهوم الجملة جزاء نحو إن أكرمتني اليوم فقد أكرمتك أمس، وعلى هذا الطراز قوله تعالى: وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ [النحل: ٥٣] فإن استقرار النعمة ليس سببا لحصولها من الله تعالى بل الأمر بالعكس، وإنما سبب للإخبار بحصولها منه تعالى كما قرره ابن الحاجب.

وقد يكون المعنى إن كنتم في شك من صحة ديني وسداد فأخبركم أن خلاصته العبادة لإله هذا شأنه دون ما تعبدونه مما هو بمعزل عن ذلك الشأن فاعرضوا ذلك على عقولكم وأجيلوا فيه أفكاركم وانظروا بعين الإنصاف لتعلموا صحته وحقيته، وذكر بعضهم أنه لا يحتاج على هذا إلى جعل المسبب الإخبار والإعلام بل يعتبر الجزاء الأمر بعرض ما ذكر على عقولهم والتفكر فيه، والأظهر اعتبار كون الأخبار جزاء كما في المعنى الأول، والتعبير عما هم عليه بالشك مع كونهم قاطعين بعدم الصحة للإيذان بأن أقصى ما يمكن عروضه للعاقل في هذا الباب هو الشك في الصحة وأما القطع بعدمها فما لا سبيل إليه، وقيل: لا نسلم أنهم كانوا قاطعين بل كانوا في شك واضطراب عند رؤية المعجزات، وجيء- بأن- للإشارة إلا أنه مما لا ينبغي أن يكون لوجود ما يزيله.

وجوز أن يكون المعنى إن كنتم في شك من ديني ومما أنا عليه أأثبت عليه أم أتركه وأوافقكم فلا تحدثوا أنفسكم بالمحال ولا تشكوا في أمري واقطعوا عني أطماعكم واعملوا أني لا أعبد الذين تعبدون من دون الله ولا أختار الضلالة على الهدى كقوله تعالى: قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ [الكافرون: ١، ٢] ولا يخفى أن ما قبل أوفق بالمقام، وتقديم ترك عبادة غير الله تعالى على عبادته سبحانه لتقدم التخلية على التحلية كما في كلمة التوحيد والإيذان بالمخالفة من أول الأمر، وتخصيص التوفي من بين سائر صفات الأفعال بالذكر متعلقا بهم للتخويف فإنه لا شيء أشد عليهم من الموت، وقيل: المراد أعبد الله الذي خلقكم ثم يتوفاكم ثم يعيدكم وفيه إيماء إلى الحشر الذي ينكرونه وهو من أمهات أصول الدين ثم حذف الطرفان وأبقى الوسط ليدل عليهما فإنهما قد كثر اقترانهما به في القرآن وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أي أوجب الله تعالى على ذلك فوجوب الإيمان بالله تعالى شرعي كسائر


(١) قوله لا بأس الجملة إلخ كذا بخطه رحمه الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>