الواجبات، وذكر المولى صدر الشريعة أن للشرعي معنيين ما يتوقف علي الشرع كوجوب الصلاة والصوم، وما ورد به الشرع ولا يتوقف على الشرع كوجوب الإيمان بالله سبحانه ووجوب تصديقه صلّى الله عليه وسلم فإنه لا يتوقف على الشرع فهو ليس بشرعي بالمعنى الأول، وذلك لأن ثبوت الشرع موقوف على الإيمان بوجود الباري تعالى وعلمه وقدرته وكلامه وعلى التصديق بنبوة النبي عليه الصلاة والسلام بدلالة معجزاته فلو توقف شيء من هذه الأحكام على الشرع لزم الدور، ولقائل أن يمنع توقف الشرع على وجوب الإيمان ونحوه سواء أريد بالشرع خطاب الله تعالى أو شريعة النبي صلّى الله عليه وسلم وتوقف التصديق بثبوت شرع النبي صلّى الله عليه وسلم على الإيمان بالله تعالى وصفاته وعلى التصديق بنبوة النبي صلّى الله عليه وسلم ودلالة معجزاته لا يقتضي توقفه على وجوب الإيمان والتصديق ولا على العلم بوجوبهما غايته أنه يتوقف على نفس الإيمان والتصديق وهو غير مفيد لتوقفه على وجوب الإيمان والتصديق ولا مناف لتوقف وجوب الإيمان ونحوه على الشرع كما هو المذهب عندهم من أن لا وجوب إلا بالسمع، وقول الزمخشري هنا: إنه عليه الصلاة والسلام أمر بالعقل والوحي لا يخلو عن نزغة اعتزالية كما هو دأبه في كثير من المواضع، ومن قال من المفسرين منا: إنه وجب على ذلك بالعقل والسمع أراد بالعقل التابع لما سمع بالشرع فلا تبعية، والكلام على حذف الجار أي أمرت بأن أكون، وحذفه من أن وأن مطرد وإن وقع النظر عن ذلك فالحذف بعد أمر مسموع عن العرب كقوله:
أمرتك الخير فافعل ما أمرت به ... فقد تركتك ذا مال وذا نشب
وأدخل بعضهم هذه الجملة في الجزاء وليس بمتعين وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ عطف كما قال غير واحد على أَنْ أَكُونَ واعترض بأن إِنْ في المعطوف عليه مصدرية بلا كلام لعملها النصب والتي في جانب المعطوف لا يصح أن تكون كذلك لوقوع الأمر بعدها، وكذا لا يصح أن تكون مفسرة لعطفها على المصدرية ولأنه يلزم دخول الباء المقدرة عليها والمفسرة لا يدخل عليها ذلك، ودفع ذلك باختيار كونها مصدرية ووقوع الأمر بعدها لا يضر في ذلك، فقد نقل عن سيبويه أنه يجوز وصلها به، ولا فرق في صلة الموصول الحرفي بين الطلب والخبر لأنه إنما منع في الموصول الاسمي لأنه وضع للتوصل به إلى وصف المعارف بالجمل والجمل الطلبية لا تكون صفة، والمقصود من أن هذه يذكر بعدها ما يدل على المصدر الذي تأول به وهو يحصل بكل فعل، وكون تأويله يزيل معنى الأمر المقصود منه مدفوع بأنه يؤول كما أشرنا إليه فيما مر بالأمر بالإقامة إذ كما يؤخذ المصدر من المادة قد يؤخذ من الصيغة مع أنه لا حاجة إليه هنا لدلالة قوله تعالى: أُمِرْتُ عليه، وفي الفرائد أنه يجوز أن يقدر وأوحى إلي أن أقم، وتعقبه الطيبي بأن هذا سائغ إعرابا إلا أن في ذلك العطف فائدة معنوية وهي أن وَأَنْ أَقِمْ إلخ كالتفسير- لأن أكون- إلخ على أسلوب- أعجبني زيد وكرمه- داخل معه في حكم المأمور فلو قدر ذلك فات غرض التفسير وتكون الجملة مستقلة معطوفة على مثلها، وفيه تأمل لجواز أن تكون هذه الجملة مفسرة للجملة المعطوفة هي عيها، وقدر أبو حيان ذلك وزعم أن أَنْ حينئذ يجوز أن تكون مصدرية وأن تكون مفسرة لأن في الفعل المقدر معنى القول دون حروفه وأنه على ذلك يزول قلق العطف ويكون الخطاب في وَجْهَكَ في محله، ورد بأن الجملة المفسرة لا يجوز حذفها، وأما صحة وقوع المصدرية فاعلا أو مفعولا فليس بلازم ولا قلق في العطف الذي عناه، وأمر الخطاب سهل لأنه لملاحظة المحكي والأمر المذكور معه.
وإقامة الوجه للدين كناية عن توجيه النفس بالكلية إلى عبادته تعالى والإعراض عمن سواه، فإن من أراد أن ينظر إلى شيء نظر استقصاء يقيم وجهه في مقابلته بحيث لا يلتفت يمينا ولا شمالا إذ لو التفت بطلت المقابلة، والظاهر أن الوجه على هذا ظاهره ويجوز أن يراد به الذات، والمراد اصرف ذاتك وكليتك للدين واجتهد بأداء الفرائض والانتهاء