للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُفْتَرُونَ

عليه تعالى عن ذلك علوا كبيرا يا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي خاطب به كل رسول قومه إزاحة لما عسى أن يتوهموه وتمحيضا للنصيحة فإنها ما دامت مشوبة بالمطامع بمعزل عن التأثير، وإيراد الموصول للتفخيم، وجعل الصلة فعل الفطر الذي هو الإيجاد والإبداع لكونه أبعد من أن يتوهم نسبته إلى شركائهم وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [لقمان: ٢٥، الزمر: ٣٨] مع كونه أقدم النعم الفائضة من جناب الله تعالى المستوجبة للشكر الذي لا يتأتى إلا بالجريان على موجب أمره سبحانه الغالب معرضا عن المطالب الدنيوية التي من جملتها الأجر، ولعل فيه إشارة إلى أنه عليه السلام غني عن أجرهم الذي إنما يرغب فيه للاستعانة به على تدبير الحال وقوام العيش بالله تعالى الذي أوجده بعد أن لم يكن وتكفل له بالرزق كما تكفل لسائر من أوجده من الحيوانات أَفَلا تَعْقِلُونَ أي أتغفلون عن ذلك فلا تعقلون نصيحة من لا يطلب عليها أجرا إلا من الله تعالى ولا شيء أنفى للتهمة من ذلك فتناقدون لما يدعوكم إليه أو تجهلون كل شيء فلا تعقلون شيئا أصلا فإن الأمر مما لا ينبغي أن يخفى على أحد من العقلاء.

وَيا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ من الشرك ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ أي ارجعوا إليه تعالى بالطاعة أو توبوا إليه سبحانه وأخلصوا التوبة واستقيموا عليها، وقيل: الاستغفار كناية عن الإيمان لأنه من روادفه، وحيث إن الإيمان بالله سبحانه لا يستدعي الكفر بغيره لغة قيل: ثُمَّ تُوبُوا فكأنه قيل: آمنوا به ثم توبوا إليه تعالى من عبادة غيره، وتعقب بأن قوله سبحانه: اعْبُدُوا اللَّهَ دل على اختصاصه تعالى بالعبادة فلو حمل اسْتَغْفِرُوا على ما ذكر لم يفد فائدة زائدة سوى ما علق عليه، وقد كان يمكن تعليقه بالأول، والحمل على غير الظاهر مع قلة الفائدة مما يجب الاحتراز عنه في كلام الله تعالى المعجز، وقيل: المراد بالاستغفار التوبة عن الشرك وبالتوبة التوبة عما صدر منهم غير الشرك، وأورد عليه أيضا أن الإيمان يجب ما قبله، وقيل: المراد بالأول طلب المغفرة بالإيمان، وبالثاني التوسل إليه سبحانه بالتوبة عن الشرك، وأورد عليه أن التوسل المذكور لا ينفك عن طلب المغفرة بالإيمان لأنه من لوازمه فلا يكون بعده كما تؤذن به ثُمَّ- وقيل: وقيل- وقد تقدم بعض الكلام في ذلك أول السورة. يُرْسِلِ السَّماءَ أي المطر كما في قوله:

إذا «نزل السماء» بأرض قوم ... رعيناه وإن كانوا غضابا

عَلَيْكُمْ مِدْراراً كثير الدر متتابعه من غير إضرار فمفعال للمبالغة كمعطار ومقدام.

وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ أي عزا مضموما إلى عزكم أو مع عزكم ويرجع هذا إلى قوله تعالى: وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ [نوح: ١٢] لأن العز الدنيوي بذلك، وعن الضحاك تفسير- القوة- بالخصب، وعن عكرمة تفسيرها بولد الولد، وقيل: المراد بها قوة الجسم، ورغبهم عليه السلام بكثرة المطر وزيادة القوة لأنهم كانوا أصحاب زروع وبساتين وعمارات، وقيل: حبس الله تعالى عنهم القطر وأعقم أرحام نسائهم ثلاث سنين فوعدهم هود عليه السلام على الاستغفار والتوبة كثرة الأمطار وتضاعف القوة بالتناسل، وقيل: القوة الأولى في الإيمان، والثانية في الأبدان أي يزدكم قوة في إيمانكم إلى قوة في أبدانكم وَلا تَتَوَلَّوْا أي لا تعرضوا عما دعوتكم إليه مُجْرِمِينَ مصرين على ما أنتم عليه من الإجرام، وقيل: مجرمين بالتولي وهو تكلف. قالُوا يا هُودُ ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ أي بحجة واضحة تدل على صحة دعواك، وإنما قالوه لفرط عنادهم أو لشدة عماهم عن الحق وعدم نظرهم في الآيات فاعتقدوا أن ما هو آية ليس بآية وإلا فهو وغيره من الأنبياء عليهم السلام جاؤوا بالبينات الظاهرة والمعجزات الباهرة وإن لم يعين لنا بعضها،

ففي الخبر «ما من نبي إلا وقد أوتي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر»

وَما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا أي بتاركي عبادتها عَنْ قَوْلِكَ أي بسبب قولك المجرد عن البينة- فعن- للتعليل كما قيل في قوله تعالى: إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها

<<  <  ج: ص:  >  >>