للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غير الزائد خلاف، والحق كما قال السفاقسي: الجواز لكثرة ذلك في كلامهم، وفي اللباب ولا تتقدم على صاحبها المجرور على الأصح نحو مررت جالسة بهند إلّا أن يكون الحال ظرفا على أن الحق ما اختاره ابن مالك من جواز التقديم مطلقا، وقال الزمخشري ومن تبعه: إنه في موضع النصب على الظرفية أي جاؤوا فوق قميصه كما تقول: جاء على جماله بأحمال، وأراد على ما في الكشف أن عَلى على حقيقة الاستعلاء وهو ظرف لغو، ومنع في البحر كون العامل فيه المجيء لأنه يقتضي أن الفوقية ظرف للجائين، وأجيب بأن الظرفية ليست باعتبار الفاعل بل باعتبار المفعول.

وفي بعض الحواشي أن الأولى أن يقال: جاؤوا مستولين على قميصه، وقوله سبحانه: بِدَمٍ حال من القميص، وجعل المعنى استولوا على القميص ملتبسا بدم جائين، وهو على ما قيل: أولى من جاؤوا مستولين لما تقرّر في التضمين، والأمر في ذلك سهل فإن جعل المضمن أصلا والمذكور حالا وبالعكس كل منهما جائز وإذا اقتضى المقام أحدهما رجح، واستظهر كونه ظرفا للمجيء المتعدي، والمعنى أتوا بدم كذب فوق قميصه ولا يخفى استقامته، هذا ثم إن ذلك الدم كان دم سخلة ذبحوها ولطخوا بدمها القميص- كما روي عن ابن عباس ومجاهد..

وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة أنهم أخذوا ظبيا فذبحوه فلطخوا بدمه القميص، ولما جاؤوا به جعل يقلبه فيقول: ما أرى به أثر ناب ولا ظفر إن هذا السبع رحيم، وفي رواية أنه أخذ القميص وألقاه على وجهه وبكى حتى خضب وجهه بدم القميص، وقال: تالله ما رأيت كاليوم ذئبا أحلم من هذا أكل ابني ولم يمرق عليه قميصه، وجاء أنه بكى وصاح، وخر مغشيا عليه فأفاضوا عليه الماء فلم يتحرك ونادوه فلم يجب ووضع يهوذا يده على مخارج نفسه فلم يحس بنفس ولا تحرك له عرق، فقال: ويل لنا من ديان يوم الدين ضيعنا أخانا وقتلنا أبانا فلم يفق إلا ببرد السحر قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أي زينت وسهلت أَمْراً من الأمور منكرا لا يوصف ولا يعرف، وأصل التسويل تقدير شيء في النفس مع الطمع في إتمامه.

وقال الراغب: هو تزيين النفس لما تحرص عليه وتصوير القبيح بصورة الحسن.

وقال الأزهري: كأن التسويل تفعيل من سوال الإنسان وهو أمنيته التي يطلبها فتزين لطالبها الباطل وغيره وأصله مهموز، وقيل: من السول بفتحتين وهو استرخاء في العصب ونحوه كأن المسول لمزيد حرصه استرخى عصبه، وفي الكلام حذف على ما في البحر أي لم يأكله الذئب بَلْ سَوَّلَتْ إلخ، وعلمه عليه السّلام بكذبهم قيل: حصل من سلامة القميص على التمزيق وهي إحدى ثلاث آيات في القميص: ثانيتها عود يعقوب بصيرا بإلقائه على وجهه، وثالثتها قده من دبر فإنه كان دليلا على براءة يوسف، وينضم إلى ذلك وقوفه بالرؤيا الدالة على بلوغه مرتبة علياء تنحط عنها الكواكب، وقيل: من تناقضهم فإنه يروى أنه عليه السّلام لما قال: ما تقدم عن قتادة قال بعضهم: بل قتله اللصوص فقال: كيف قتلوه وتركوا قميصه وهم إلى قميصه أحوج منهم الى قتله؟! ولعله مع هذا العلم إنما حزن عليه السّلام لما خشي عليه من المكروه والشدائد غير الموت، وقيل: إنما حزن لفراقه وفراق الأحبة مما لا يطاق، ولذلك قيل:

لولا مفارقة الأحباب ما وجدت ... لها المنايا الى أرواحنا سبلا

ولا بأس بأن يقال: إنه أحزنه فراقه وخوف أن يناله مكروه فَصَبْرٌ جَمِيلٌ أي فأمري صبر جميل، أو فصبري صبر جميل كما قال قطرب، أو فالذي أفعله ذلك كما قال الخليل. أو فهو صبر إلخ كما قال الفراء، وصبر في كل ذلك خبر مبتدأ محذوف أو فصبر جميل أمثل وأجمل على أنه مبتدأ خبره محذوف، وهل الحذف في مثل ذلك

<<  <  ج: ص:  >  >>