للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على ما قيل: حرف وضع للاستثناء والتنزيه معا ثم نقل وجعل اسما بمعنى التنزيه وتجرد عن معنى الاستثناء ولم ينون مراعاة لأصله المنقول عنه، وكثيرا ما يراعون ذلك ألا تراهم قالوا: جلست من عن يمينه؟ فجعلوا- عن- اسما ولم يعربوه، وقالوا: غدت من عليه فلم يثبتوا ألف على مع المضمر كما أثبتوا ألف فتى في فتاة كل ذلك مراعاة للأصل، واللام للبيان فهي متعلقة بمحذوف، ورد في البحر دعوى إفادته التنزيه في الاستثناء بأن ذلك غير معروف عند النحاة، ولا فرق بين قام القوم إلّا زيدا، وحاشا زيدا، وتعقب بأن عدم ذكر النحاة ذلك لا يضر لأنه وظيفة اللغويين لا وظيفتهم، واعترض بعضهم حديث النقل بأن الحرف لا يكون اسما إلّا إذا نقل وسمي به وجعل علما، وحينئذ يجوز فيه الحكاية والإعراب، ولذا جعله ابن الحاجب اسم فعل بمعنى برىء الله تعالى من السوء، ولعل دخول اللام كدخولها في هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ، وكون المعنى على المصدرية لا يرد عليه لأنه قيل: إن أسماء الأفعال موضوعة لمعاني المصادر وهو المنقول عن الزجاج، نعم ذهب المبرد، وأبو علي، وابن عطية، وجماعة إلى أنه فعل ماض بمعنى جانب، وأصله من حاشية الشيء وحشيه أي جانبه وناحيته، وفيه ضمير يوسف واللام للتعليل متعلقة به أي جانب يوسف ما قرف به لله تعالى أي لأجل خوفه ومراقبته، والمراد تنزيهه وبعده كأنه صار في جانب عما اتهم به لما رؤي فيه من آثار العصمة وأبهة النبوة عليه الصلاة والسلام، ولا يخفى أنه على هذا يفوت معنى التعجب، واستدل على اسميتها بقراءة أبي السمال «حاشا لله» بالتنوين، وهو في ذلك على حد: سقيا لك، وجوز أن يكون اسم فعل والتنوين كما في صه، وكذا بقراءة أبي، وعبد الله (١) رضي الله تعالى عنهما- حاشا الله- بالإضافة كسبحان الله، وزعم الفارسي أن حاشَ في ذلك حرف جر مرادا به الاستثناء كما في قوله:

حاشا أبي ثوبان إن أبا ... ثوبان ليس ببكمة فدم

ورد بأنه يتقدمه هنا ما يستثنى منه، وجاء في رواية عن الحسن أنه قرأ- حاش لله- بسكون الشين وصلا ووقفا مع لام الجر في الاسم الجليل على أن الفتحة اتبعت الألف في الإسقاط لأنها كالعرض اللاحق لها، وضعفت هذه القراءة بأن فيها التقاء الساكنين على غيره حده، وفي رواية أخرى عنه أنه قرأ- حاش الإله- وقرأ الأعمش- حشا لله- بحذف الألف الأولى، هذا واستدل المبرد، وابن جني، والكوفيون على أن- حاش- قد تكون فعلا بالتصرف فيها بالحذف كما علمت في هذه القراءات، وبأنه قد جاء المضارع منها كما في قول النابغة:

ولا أرى فاعلا في الناس يشبهه ... ولا- أحاشى- من الأقوام من أحد

ومقصودهم الرد على- س- وأكثر البصرية حيث أنكروا فعليتها، وقالوا: إنها حرف دائما بمنزلة إلّا لكنها تجر المستثنى، وكأنه لم يبلغهم النصب بها كما في قوله

حاشا قريشا فإن الله فضلهم

وربما يجيبون عن التصرف بالحذف بأن الحذف قد يدخل الحرف كقولهم: أما والله، وأم والله، نعم ردّ عليهم أيضا بأنها تقع قبل حرف الجر، ويقابل هذا القول ما ذهب إليه الفراء من أنها لا تكون حرفا أصلا بل هي فعل دائما ولا فاعل لها، والجر الوارد بعدها كما في

حاشاي إني مسلم معذور

والبيت المار آنفا بلام مقدرة، والحق أنها تكون فعلا تارة فينصب ما بعدها ولها فاعل وهو ضمير مستكن فيها وجوبا يعود إما على البعض المفهوم من الكلام، أو المصدر المفهوم من الفعل، ولذا لم يثن، ولم يجمع، ولم يؤنث، وحرفا أخرى ويجر ما بعدها، ولا تتعلق بشيء كالحروف الزائدة عند ابن هشام، أو تتعلق بما قبلها من فعل أو شبهه عند بعض، ولا تدخل عليها إلّا كما إذا كانت فعلا خلافا للكسائي في زعمه جواز ذلك إذا


(١) وروي عنهما أيضا. كما قاله صاحب اللوامح. كقراءة أبي عمرو اهـ منه.

<<  <  ج: ص:  >  >>