سنبلات ولا يقدر موصوفها بقرينة السياق، ولا يخفى أن الكلام إنما هو على تقدير أن يكون مميز السبع ما علمت، وعلى ذلك يلزم التدافع، ولا يبنى على فرض أنهم سبعة أو أربعة عشر فيصح في الآية ولا يصح في المثال فإنه وهم.
ومن ذلك يظهر أنه لا مدخل للتكرير والانسحاب في هذا الفرض، ثم إن المختار قول الانسحاب على ما نص عليه الشيخ ابن الحاجب وحققه في غير موضع، وأما الاستدلال بالآية على الانسحاب لا التقدير وإلّا لكان لفظ أُخَرَ تطويلا يصان كلام الله تعالى المعجز عنه فغير سديد على ما في الكشف لأن القائل بالتقدير يدّعي الظهور في الاستقلال، وكذلك القائل بالانسحاب يدعي الظهور في المقابل على ما نص عليه أئمة العربية فلا يكون التأكيد- بأخر- لإرادة النصوص تطويلا بل إطنابا يكون واقعا في حاق موقعه هذا يا أَيُّهَا الْمَلَأُ خطاب للاشراف ممن يظن به العلم، يروى أنه جمع السحرة والكهنة والمعبرين فقال لهم: يا أَيُّهَا الْمَلَأُ.
أَفْتُونِي فِي رُءْيايَ هذه أي عبروها وبينوا حكمها وما تؤول إليه من العاقبة. وقيل: هو خطاب لجلسائه وأهل مشورته، والتعبير عن التعبير بالإفتاء لتشريفهم وتفخيم أمر رؤياه إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ أي تعلمون عبارة جنس الرؤيا (١) علما مستمرا وهي الانتقال من الصورة المشاهدة في المنام إلى ما هي صورة ومثال لها من الأمور الآفاقية والأنفسية الواقعة في الخارج من العبور وهو المجاوزة، تقول: عبرت النهر إذا قطعته وجاوزته، ونحوه أولتها أي ذكرت ما تؤول إليه وعبرت الرؤيا بالتخفيف عبارة أقوى وأعرف عند أهل اللغة من عبرت بالتشديد تعبيرا حتى إن بعضهم أنكر التشديد، ويرد عليه ما أنشده المرد في الكامل لبعض الأعراب وهو:
رأيت رؤيا ثم عبرتها ... وكنت للأحلام عبارا
والجمع بين الماضي والمستقبل للدلالة على الاستمرار كما أشير إليه، واللام قيل: متعلقة بمحذوف والمقصود بذاك البيان كأنه لما قيل: تَعْبُرُونَ قيل: لأي شيء؟ فقيل: للرؤيا فهي للبيان كما في سقيا له إلّا أن تقديم البيان على المبين لا يخلو عن شيء، وقيل- واختاره أبو حيان- إنها لتقوية الفعل المذكور لأنه ضعف بالتأخير، ويقال لها:
لام التقوية وتدخل في الفصيح على المعمول إذا تقدم على عامله مطلقا وعلى معمول غير الفعل إذا تأخر كزيد ضارب لعمرو، وفي كونها زائدة أو لا خلاف، وقيل: إنه جيء بها لتضمين الفعل المتعدي معنى فعل قاصر يتعدى باللام أي إن كنتم تنتدبون لعبارتها، وجوز أن يكون لِلرُّءْيا خبر كان كما تقول: كان فلان لهذا الأمر إذا كان مستقبلا به متمكنا منه، وجملة تَعْبُرُونَ خبر آخر أو حال، ولا يخفى ما في ذلك من التكلف، وكذا فيما قبله.
وقرأ أبو جعفر بالإدغام في الرؤيا وبابه بعد قلب الهمزة واوا ثم قلب الواو ياء لسبقها إياها ساكنة، ونصوا على شذوذ ذلك لأن الواو بدل غير لازم قالُوا استئناف بياني كأنه قيل: فماذا قال الملأ للملك إذ قال لهم ذلك؟
فقيل: هي أَضْغاثُ أَحْلامٍ أي هي أَضْغاثُ إلخ، وهي جمع ضغث وهو أقل من الحزمة وأكثر من القبضة من أخلاط النبات، وقد يطلق على ما كان من جنس واحد كما في قوله:
خود كأن فراشها وضعت به ... أضغاث ريحان غداة شمال
وجعل من ذلك ما في قوله تعالى: وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ [ص: ٤٤] فقد روي أن أيوب عليه السلام أخذ عثكالا من النخل فضرب به، وفي الكشاف أن «أضغاث الأحلام» تخاليطها وأباطيلها وما يكون منها من
(١) ذكر بعض المحققين أن الرؤيا تكون جمعا فلا تغفل اهـ منه.