للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حديث نفس أو وسوسة شيطان، وقد استعيرت لذلك، وأصلها ما جمع من أخلاط النبات وحزمه وإضافتها على معنى من أي أضغاث من أحلام، وأورد عليه أن الأضغاث إذا استعيرت للأحلام الباطلة والأحلام مذكورة، ولفظ هي المقدر عبارة عن رؤيا مخصوصة فقد ذكر المستعار والمستعار له، وذلك مانع من الاستعارة على الصحيح عندهم، وقد أجاب الكثير عن ذلك بما لا يخلو عن بحث، وذكر بعض المحققين في تقرير ذاك وجهين.

الأول أنه يريد أن حقيقة الأضغاث أخلاط النبات فشبه به التخاليط والأباطيل مطلقا سواء كانت أحلاما أم غيرها، ويشهد له قول الصحاح والأساس: ضغث الحديث خلطه، ثم أريد هنا بواسطة الإضافة أباطيل مخصوصة فطرفا الاستعارة أخلاط النبات والأباطيل الملفقات، فالأحلام ورؤيا الملك خارجان عنهما فلا يضر ذكرهما كما إذا قلت:

رأيت أسد قريش فهو قرينة أو تجريد، وقوله: تخاليطها تفسير له بعد التخصيص، وقوله: وقد استعيرت لذلك إشارة إلى التخاليط. الثاني أن الأضغاث استعيرت للتخاليط الواقعة في الرؤيا الواحدة فهي أجزاؤها لا عينها فالمستعار منه حزم النبات والمستعار له أجزاء الرؤيا، وهذا كما إذا استعرت الورد للخد، ثم قلت: شممت ورد هند مثلا فإنه لا يقال: إنه ذكر فيه الطرفان اهـ، ولا يخفى ما فيه من التكلف وارتكاب غير الظاهر.

واستظهر بعضهم كون أَضْغاثُ أَحْلامٍ من قبيل لجين الماء، ولا يخفى أنه سالم عما أورد على الزمخشري (١) إلّا أن صاحب الأساس قد صرح بأن ذلك من المجاز، والمتبادر منه المجاز المتعارف الذي لا يطلق على ما ذكر، ولعل الأمر في ذلك سهل، والأحلام جمع حلم بضمة وبضمتين المنامات الباطلة على ما نص عليه جمع، وقال بعضهم: الرؤيا والحلم عبارة عما يراه النائم مطلقا لكن غلبت الرؤيا على ما يراه من الخير والشيء الحسن، وغلب الحلم على خلافه،

وفي الحديث «الرؤيا من الله تعالى والحلم من الشيطان»

وقال التوربشتي: الحلم عند العرب يستعمل استعمال الرؤيا والتفريق من الاصطلاحات التي سنها الشارع صلى الله تعالى عليه وسلّم للفصل بين الحق والباطل كأنه كره أن يسمي ما كان من الله تعالى وما كان من الشيطان باسم واحد فجعل الرؤيا عبارة عن القسم الصالح لما فيها من الدلالة على مشاهدة الشيء بالبصر والبصيرة، وجعل الحلم عبارة عما كان من الشيطان لأن أصل الكلمة لم تستعمل إلّا فيما يخيل للحالم في منامه من قضاء الشهوة بما لا حقيقة له اهـ وهو كلام حسن، ومما يشهد له في دعوى كون الحلم يستعمل عند العرب استعمال الرؤيا البيت السابق الذي أنشده المبرد كما لا يخفى، وإنما قالوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ بالجمع مع أن الرؤيا ما كانت إلّا واحدة للمبالغة في وصف ذلك بالبطلان، وهذا كما يقال: فلان يركب الخيل ويلبس عمائم الخز لمن لا يركب إلّا فرسا واحدا وما له إلّا عمامة فردة.

وفي الفرائد لما كانت أَضْغاثُ أَحْلامٍ مستعارة لما ذكر وهي تخاليطها وأباطيلها وهي متحققة في رؤيا واحدة بحسب أنها متركبة من أشياء كل منها حلم فكانت أحلاما، قال الشهاب: وهو واه وإن استحسنه العلامة الطيبي، نعم ليس هذا من إطلاق الجمع على الواحد لوجود ذلك في هذا الجنس إذ الإضافة على معنى في، ثم نقل عن الرضي أنه قال في شرح الشافية إن جمع القلة ليس بأصل في الجمع لأنه لا يذكر إلّا حيث يراد بيان القلة فلا يستعمل لمجرد الجمعية والجنسية كما يستعمل له جمع الكثرة، يقال: فلان حسن الثياب في معنى حسن الثوب ولا يحسن حسن الثوب، وكم عندك من الثوب أو من الثياب ولا يحسن من الأثواب اهـ، ثم قال: وقد ذكره الشريف في


(١) لا يخفى أن صاحب الأساس قد يطلق المجاز على غير ما هو المتعارف فافهم اهـ منه.

<<  <  ج: ص:  >  >>