للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأخرج مسلم من رواية أنس أن رسول الله عليه الصّلاة والسّلام «كان مع إحدى نسائه فمرّ به رجل فدعاه، وقال: هذه زوجتي، فقال: يا رسول الله من كنت أظن به فلم أكن أظن بك؟! فقال رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلّم: إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم»

وكأنه لهذا كان الزمخشري وكان ساقط الرجل قد أثبت على القضاة أن رجله لم تقطع في جناية ولا فساد بل سقطت من ثلج أصابها في بعض الأسفار، وكان يظهر مكتوب القضاة في كل بلد دخله خوفا من تهمة السوء (١) فلعله عليه السّلام خشي أن يخرج ساكتا عن أمر ذنبه غير متضحة براءة ساحته عما سجن فيه وقرف به من أن يتسلق به الحاسدون إلى تقبيح أمره ويجعلوه سلما إلى حط قدره ونظر الناس إليه بعين الاحتقار فلا يعلق كلامه في قلوبهم ولا يترتب على دعوته قبولهم، وفي ذلك من تعري التبليغ عن الثمرة ما فيه، وما

ذكره صلّى الله تعالى عليه وسلّم «ولو كنت مكانه» إلخ

كان تواضعا منه عليه الصلاة والسلام لا أنه لو كان مكانه بادر وعجل وإلّا فحلمه صلى الله تعالى عليه وسلم وتحمله واهتمامه بما يترتب عليه قبول الخلق أوامر الحق سبحانه وتعالى أمر معلوم لدى الخواص والعموم، وزعم ابن عطية أنه يحتمل أن يكون عليه السّلام أراد بالرب العزيز كما قيل في قوله: إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ [يوسف: ٢٣] ففي ذلك استشهاد به وتقريع له وليس بشيء، ومثله ما قيل: إن ضمير كيدهن ليس عائدا على النسوة المذكورات بل عائد على الجنس فافهم.

وقرأ أبو حيوة وأبو بكر عن عاصم في رواية «النسوة» بضم النون، وقرأت فرقة- اللائي- بالياء وهو كاللاء جمع التي قالَ استئناف مبني على السؤال كما سبق كأنه قيل: فما كان بعد ذلك؟ فقيل: قال الملك إثر ما بلغه الرسول الخبر وأحضرهن: ما خَطْبُكُنَّ أي شأنكن، وأصله الأمر العظيم الذي يحق لعظمته أن يكثر فيه التخاطب ويخطب له إِذْ راوَدْتُنَّ يُوسُفَ وخادعتنه عَنْ نَفْسِهِ ورغبتنه في طاعة مولاته هل وجدتن فيه ميلا إليكن؟ قُلْنَ حاشَ لِلَّهِ تنزيها له وتعجيبا من نزاهته عليه السّلام وعفته ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ بالغن في نفي جنس السوء عنه بالتنكير وزيادة مِنْ، وفي الكشف في توجيه كون السؤال المقدر في نظم الكلام عن وجدانهن فيه الميل، وذلك لأنه سؤال عن شأنهن معه عند المراودة، وأوله الميل ثم ما يترتب عليه، وحمله (٢) على السؤال يدعي النزاهة الكلية فيكون سؤال الملك منزلا عليه إذ لا يمكن ما بعده إلّا إذا سلم الميل، وجوابهن عليه ينطبق لتعجبهن عن نزاهته بسبب التعجب من قدرة الله تعالى على خلق عفيف مثله ليكون التعجب منها على سبيل الكناية فيكون أبلغ وأبلغ، ثم نفيهن (٣) العلم مطلقا وطرفا أي طرف دهم من سوء أي سوء فضلا عن شهود الميل معهن اهـ، وهو من الحسن بمكان.

وما ذكره ابن عطية- من أن النسوة قد أجبن بجواب جيد يظهر منه براءة أنفسهن جملة وأعطين يوسف عليه السّلام بعض براءة وذلك أن الملك لما قرّرهن أنهن راودنه قلن جوابا عن ذلك وتنزيها لأنفسهن: حاشَ لِلَّهِ ويحتمل أن يكون في جهته عليه السلام، وقولهن: ما عَلِمْنا إلخ ليس بإبراء تام، وإنما هو شرح القصة على وجهها حتى يتقرر الخطأ في جهتهن- ناشىء- عن الغفلة عما قرّره المولى صاحب الكشف قالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ وكانت حاضرة المجلس، قيل: أقبلت النسوة عليها يقررنها، وقيل: خافت أن يشهد عليها بما قالت يوم قطعن أيديهن فأقرت قائلة: الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أي ظهر وتبين بعد خفاء قاله الخليل، وهو مأخوذ من الحصة وهي القطعة من


(١) ويناسب هذا ما تقدم عن أبي حيان في «اذكرني عند ربك» فتذكر فما في العهد من قدم اهـ منه.
(٢) أي يوسف عليه السّلام اهـ منه.
(٣) قد صرح غير واحد أن المراد بالعلم هنا الإدراك اهـ منه.

<<  <  ج: ص:  >  >>