للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجملة أي تبينت حصة الحق من حصة الباطل، والمراد تميز هذا عن هذا، وإلى ذلك ذهب الزجاج أيضا، وقيل: هو من حص شعره إذا استأصله بحيث ظهرت بشرة رأسه، وعلى ذلك قوله:

قد حصت البيضة رأسي فما ... أطعم نوما غير تهجاع

ويرجع هذا إلى الظهور أيضا، وقيل: هو من حصحص البعير إذا ألقى مباركة ليناخ، قال حميد بن ثور الهلالي يصف بعيرا:

فحصحص في صم الصفا ثفناته ... وناء بسلمى نوءة ثم صمما

والمعنى الآن ثبت الحق واستقر، وذكر الراغب وغيره أن حص وحصحص- ككف وكفكف وكب وكبكب- وقرىء بالبناء للمفعول على معنى أقر الحق في مقره ووضع في موضعه، والْآنَ من الظروف المبنية في المشهور (١) وهو اسم للوقت الحاضر جميعه كوقت فعل الإنشاء حال النطق به أو الحاضر بعضه كما في هذه الآية، وقوله سبحانه: الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ [الأنفال: ٦٦] وقد يخرج عند ابن مالك عن الظرفية

كخبر «فهو يهوي في النار الآن حين انتهى إلى مقرها»

فإن الآن فيه في موضع رفع على الابتداء، و «حين» خبره وهو مبني لإضافته إلى جملة صدرها ماض وألفه منقلبة عن واو لقولهم في معناه: الأوان، وقيل: عن ياء لأنه من آن يئين إذا قرب، وقيل: أصله أو أن قلبت الواو ألفا ثم حذفت لالتقاء الساكنين، ورد بأن الواو قبل الألف لا تقلب كالجواد والسواد، وقيل: حذفت الألف وغيرت الواو إليها كما في راح ورواح استعملوه مرة على فعل وأخرى على فعال كزمن وزمان، واختلفوا في علة بنائه فقال الزجاج: بني لتضمنه معنى الإشارة لأن معناه هذا الوقت، وردّ بأن المتضمن معنى الإشارة بمنزلة اسم الإشارة وهو لا تدخله ال، وقال أبو علي: لتضمنه معنى لام التعريف لأنه استعمل معرفة وليس علما وأل فيه زائدة، وضعف (٢) بأن تضمن اسم معنى حرف اختصارا ينافي زيادة ما لا يعتد به هذا مع كون المزيد غير المضمن معناه فكيف إذا كان إياه، وقال المبرد وابن السراج: لأنه خالف نظائره إذ هو نكرة في الأصل استعمل من أول وضعه باللام، وبابها أن تدخل على النكرة وإليه ذهب الزمخشري، ورده ابن مالك بلزوم بناء الجماء الغفير ونحوه مما وقع في أول وضعه باللام، وبأنه لو كانت مخالفة الاسم لسائر الأسماء موجبة لشبه الحرف واستحقاق البناء لوجب بناء كل اسم خالف الأسماء بوزن أو غيره، وهو باطل بإجماع، واختار أنه بني لشبه الحرف في ملازمة لفظ واحد لأنه لا يثنى ولا يجمع ولا يصغر بخلاف حين ووقت وزمان ومدة وردّه أبو حيان بما ردّ هو به على من تقدم، وقال الفراء: إنما بني لأنه نقل من فعل ماض وهو آن بمعنى حان فبقي على بنائه استصحابا على حد أنهاكم عن قيل وقال، وردّ بأنه لو كان كذلك لم تدخل عليه أل كما لا تدخل على ما ذكر، وجاز فيه الإعراب كما جاز فيه، وذهب بعضهم إلى أنه معرب منصوب على الظرفية، واستدل بقوله: كأنهما ملآن لم يتغيرا، بكسر النون أي من الآن فحذفت النون والهمزة وجر فدل على أنه معرب وضعف (٣) باحتمال أن تكون الكسرة كسرة بناء ويكون في بناء الآن لغتان: الفتح والكسر كما في شتان إلّا أن الفتح أكثر وأشهر، وفي شرح الألفية لابن الصائغ أن الذي قال: إن أصله أو أن يقول: بإعرابه كما أن وأنا معرب.

واختار الجلال السيوطي بإعرابه لأنه لم يثبت لبنائه علة معتبرة فهو عنده منصوب على الظرفية، وإن دخلت من


(١) والدليل على اسميتها دخول أل وحرف الجر اهـ منه.
(٢) المضعف هو ابن مالك اهـ منه.
(٣) المضعف ابن مالك أيضا اهـ منه.

<<  <  ج: ص:  >  >>