الداخل على النكرة لا يكون مجموعيا، وأصل النكتة في الترديد أنه لو نظر إلى العلم ولا تناهيه كان الأول فيرتقي إلى ما لا نهاية لعلمه بل جل عن النهاية من كل الوجوه، ولا بد من تخصيص في لفظ كُلِّ والمعنى وفوق كل واحد من العلماء عالم وهكذا إلى أن ينتهي، ولو نظر إلى العالم وإفادته إياه كان الثاني، والمعنى وفوق كل واحد واحد عالم واحد فأولى أن يكون فوق كلهم لأن الثاني معلول الأول، ولظهور المعنى عليه قدر وفوق العلماء كلهم وكلا الوجهين يناسب المقام اه. ولعل اعتبار كون الجملة الأولى مدحا ليوسف عليه السلام وتعظيما لشأن الكيد وكون الثانية تذييلا هو الأظهر فتأمل. وقد استدل بالآية من ذهب إلى أنه تعالى شأنه عالم بذاته لا بصفة علم زائدة على ذلك، وحاصل استدلالهم أنه لو كان له سبحانه صفة علم زائدة على ذاته كان ذا علم لاتصافه به وكل ذي علم فوقه عليم للآية فيلزم أن يكون فوق وأعلم منه جل وعلا عليم آخر وهو من البطلان بمكان. وأجيب بأن المراد بكل ذي علم المخلوقات ذوو العلم لأن الكلام في الخلق ولأن العليم صيغة مبالغة معناه أعلم من كل ذي علم فيتعين أن يكون المراد به الله تعالى فما يقابله يلزم كونه من الخلائق لئلا يدخل فيما يقابله، وكون المراد من العليم ذلك هو إحدى روايتين عن الحبر، فقد أخرج عبد الرزاق وجماعة عن سعيد بن جبير قال: كنا عند ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فحدث بحديث فقال رجل عنده: «وفوق كل ذي علم عليم» فقال ابن عباس: بئسما قلت الله العليم وهو فوق كل عالم، وإلى ذلك ذهب الضحاك، فقد أخرج أبو الشيخ عنه أنه قال بعد أن تلا الآية يعني الله تعالى بذلك نفسه، على أنه لو صح ما ذكره المستدل لم يكن الله تعالى عالما بناء على أن الظاهر اتفاقه معنا في صحة قولنا فوق كل العلماء عليم، وذلك أنه يلزم على تسليم دليله إذا كان الله تعالى عالما أن يكون فوقه من هو أعلم منه، فإن أجاب بالتخصيص في المثال فالآية مثله.
وقرأ غير واحد من السبعة «درجات من نشاء» بالإضافة، قيل: والقراءة الأولى أنسب بالتذييل حيث نسب فيها الرفع إلى من نسب إليه الفوقية لا إلى درجته والأمر في ذلك هين. وقرأ يعقوب بالياء في «يرفع» و «يشاء» وقرأ عيسى البصرة «نرفع» بالنون و «درجات» منونا و «من يشاء» بالياء. قال صاحب اللوامح: وهذه قراءة مرغوب عنها ولا يمكن إنكارها. وقرأ عبد الله الحبر «وفوق كل ذي عالم عليم» فخرجت كما في البحر على زيادة ذي أو على أن «عالم» مصدر بمعنى علم كالباطل أو على أن التقدير كل ذي شخص عالم، والذي في الدر المنثور أنه رضي الله تعالى عنه قرأ «وفوق كل عالم عليم» بدون ذِي ولعله إلا ثبت والله تعالى العليم قالُوا أي الإخوة إِنْ يَسْرِقْ يعنون بنيامين فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ يريدون به يوسف عليه السلام وما جرى عليه من جهة عمته، فقد أخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد قال: كان أول ما دخل على يوسف عليه السلام من البلاء فيما بلغني أن عمته كانت تحضنه وكانت أكبر ولد إسحاق عليه السلام وكانت إليها منطقة أبيها وكانوا يتوارثونها بالكبر فكانت لا تحب أحدا كحبها إياه حتى إذا ترعرع وقعت نفس يعقوب إليه فأتاها فقال: يا أختاه سلمي إلى يوسف فو الله ما أقدر على أن يغيب عني ساعة فقالت: والله ما أنا بتاركته فدعه عندي أياما أنظر إليه لعل ذلك يسليني، فلما خرج يعقوب عليه السلام من عندها عمدت إلى تلك المنطقة فحزمتها على يوسف عليه السلام من تحت ثيابه ثم قالت: فقدت منطقة أبي إسحاق فانظروا من أخذها فالتمست ثم قالت: اكشفوا أهل البيت فكشفوهم فوجدوها مع يوسف عليه السلام فقالت: والله إنه لسلم لي أصنع فيه ما شئت فأتاها يعقوب فأخبرته الخبر فقال لها: أنت وذاك إن كان فعل فأمسكته فما قدر عليه حتى ماتت.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الآية: «سرق يوسف عليه السلام صنما لجده أبي