أمه من ذهب وفضة فكسره وألقاه على الطريق فعيره إخوته بذلك،
وأخرج غير واحد عن زيد بن أسلم قال: كان يوسف عليه السلام غلاما صغيرا مع أمه عند خال له وهو يلعب مع الغلمان فدخل كنيسة لهم فوجد تمثالا صغيرا من ذهب فأخذه وذلك الذي عنوه بسرقته.
وقال مجاهد: إن سائلا جاءه يوما فأخذ بيضة فناولها إياه وقال سفيان بن عيينة: أخذ دجاجة فأعطاها السائل. وقال وهب: كان عليه السلام يخبئ الطعام من المائدة للفقراء وقيل وقيل: وعن ابن المنير أن ذلك تصلف لا يسوغ نسبة مثله إلى بيت النبوة بل ولا إلى أحد من الأشراف فالواجب تركه وإليه ذهب مكي. وقال بعضهم: المعنى إن يسرق فقد سرق مثله من بني آدم وذكر له نظائر في الحديث، قيل وهو كلام حقيق بالقبول.
وأنت تعلم أن في عد كل ما قيل في بيان المراد من سرقة الأخ تصلفا تصلف فإن فيه ما لا بأس في نسبته إلى بيت النبوة، وإن ادعى أن دعوى نسبتهم السرقة إلى يوسف عليه السلام مما لا يليق نسبة مثله إليهم لأن ذلك كذب إذ لا سرقة في الحقيقة وهم أهل بيت النبوة الذين لا يكذبون جاء حديث أكله الذئب وهم غير معصومين أولا وآخرا وما قاله البعض. وقيل: إنه كلام حقيق بالقبول مما يأباه ما بعد كما لا يخفى على من له ذوق، على أن ذلك في نفسه بعيد ذوقا وأتوا بكلمة إِنْ لعدم جزمهم بسرقته بمجرد خروج السقاية من رحله، فقد وجدوا من قبل بضاعتهم في رحالهم ولم يكونوا سارقين. وفي بعض الروايات أنهم لما رأوا إخراج السقاية من رحله خجلوا فقالوا: يا ابن راحيل كيف سرقت هذه السقاية؟ فرفع يده إلى السماء فقال: والله ما فعلت فقالوا: فمن وضعها في رحلك؟ قال: الذي وضع البضاعة في رحالكم، فإن كان قولهم: إِنْ يَسْرِقْ إلخ بعد هذه المقاولة فالظاهر أنها هي التي دعتهم «لأن» وأما قولهم: «إن ابنك سرق» فبناء على الظاهر ومدعى القوم وكذا علمهم مبني على ذلك وقيل: إنهم جزموا بذلك وإِنْ لمجرد الشرط ولعله الأولى لظاهر ما يأتي إن شاء الله الله تعالى تحقيقه ويَسْرِقْ لحكاية الحال الماضية، والمعنى إن كان سرق فليس ببدع لسبق مثله من أخيه وكأنهم أرادوا بذلك دفع المعرة عنهم واختصاصها بالشقيقين، وتنكير أَخٌ لأن الحاضرين لا علم لهم به. وقرأ أحمد بن جبير الأنطاكي وابن أبي سريج عن الكسائي والوليد بن حسان. وغيرهم «فقد سرّق» بالتشديد مبنيا للمفعول أي نسب السرقة فَأَسَرَّها يُوسُفُ الضمير لما يفهم من الكلام والمقام أي أضمر الحزازة التي حصلت له عليه السلام مما قالوا: وقيل: أضمر مقالتهم أو نسبة السرقة إليه فلم يجبهم عنها فِي نَفْسِهِ لا أنه أسرها لبعض أصحابه كما في قوله تعالى: وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْراراً [نوح: ٩] وَلَمْ يُبْدِها أي يظهرها لَهُمْ لا قولا ولا فعلا صفحا لهم وحلما وهو تأكيد لما سبق قالَ أي في نفسه، وهو استئناف مبني على سؤال نشأ من الأخبار بالإسرار المذكور كأنه قيل: فماذا قال في نفسه في تضاعيف ذلك؟ فقيل: قال أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً أي منزلة في السرق، وحاصله أنكم أثبت في الاتصاف بهذا الوصف وأقوى فيه حيث سرقتم أخاكم من أبيكم ثم طفقتم تفترون على البريء، وقال الزجاج: إن الإضمار هنا على شريطة التفسير لأن قالَ أَنْتُمْ إلخ بدل من الضمير، والمعنى فأسر يوسف في نفسه قوله: أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً والتأنيث باعتبار أنه جملة أو كلمة. وتعقب ذلك أبو علي بأن الإضمار على شريطة التفسير على ضربين، أحدهما أن يفسر بمفرد نحو نعم رجلا زيد وربه رجلا. وثانيهما أن يفسر بجملة كقوله تعالى قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص: ١] وأصل هذا أن يقع في الابتداء ثم يدخل عليه النواسخ نحو إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً [طه: ٧٤] فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ [الحج: ٤٦] وليس منها- شفاء النفس مبذول- وغير ذلك، وتفسير المضمر في كلا الموضعين متصل بالجملة التي قبلها المتضمنة لذلك المضمر ومتعلق بها ولا يكون منقطعا عنها والذي ذكره الزجاج منقطع فلا يكون من الإضمار على شريطة التفسير. وفي أنوار التنزيل أن المفسر بالجملة لا يكون إلا ضمير الشأن، واعترض عليه بالمنع. وفي الكشف أن هذا ليس من التفسير بالجمل في شيء حتى