العينين لأنهما فيه، وقيل: عبر بالكل عن البعض «وارتد» عند بعضهم من أخوات كان وهي بمعنى صار- فبصيرا- خبرها وصحح أبو حيان أنها ليست من أخواتها- فبصيرا- حال، والمعنى أنه رجع إلى حالته الأولى من سلامة البصر.
وزعم بعضهم أن في الكلام ما يشعر بأن بصره صار أقوى مما كان عليه لأن فعيلا من صيغ المبالغة وما عدل من يفعل إليه إلا لهذا المعنى. وتعقب بأن فعيلا هنا ليس للمبالغة إذ ما يكون لها هو المعدول عن فاعل وأما «بصير» هنا فهو اسم فاعل من بصر بالشيء فهو جار على قياس فعل نحو ظرف فهو ظريف ولو كان كما زعم بمعنى مبصر لم يكن للمبالغة أيضا لأن فعيلا بمعنى مفعل ليس للمبالغة نحو أليم وسميع، وأيّا ما كان فالظاهر أن عوده عليه السلام بصيرا بإلقاء القميص على وجهه ليس إلا من باب خرق العادة وليس الخارق بدعا في هذه القصة، وقيل: إن ذاك لما أنه عليه السلام انتعش حتى قوي قلبه وحرارته الغريزية فأوصل نوره إلى الدماغ وأداه إلى البصر، ومن هذا الباب استشفاء العشاق بما يهب عليهم من جهة أرض المعشوق كما قال:
وإني لأستشفى بكل غمامة ... يهب بها من نحو أرضك ريح
وقال آخر:
ألا يا نسيم الصبح ما لك كلما ... تقربت منا فاح نشرك طيبا
إلى غير ذلك مما لا يحصى وهو قريب مما سمعته آنفا عن الإمام هذا، وجاء في بعض الأخبار أنه عليه السلام سأل البشير كيف يوسف؟ قال: ملك مصر فقال: ما أصنع بالملك على أي دين تركته؟ قال: على الإسلام قال: الآن تمت النعمة. وأخرج أبو الشيخ عن الحسن قال: لما جاء البشير إليه عليه السلام قال: ما وجدت عندنا شيئا وما اختبزنا منذ سبعة أيام ولكن هون الله تعالى عليك سكرات الموت، وجاء في رواية أنه قال له: ما أدري ما أثيبك اليوم ثم دعا له بذلك قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ يحتمل أن يكون خطابا لمن كان عنده من قبل أي ألم أقل لكم إني لأجد ريح يوسف، ويحتمل أن يكون خطابا لبنيه القادمين أي ألم أقل لكم لا تيأسوا من رحمة الله وهو الأنسب بقوله: إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ فإن مدار النهي العلم الذي أوتيه عليه السلام من جهة الله سبحانه، والجملة على الاحتمالين مستأنفة على الأخير يجوز أن تكون مقول القول أي ألم أقل لكم: حين أرسلتكم إلى مصر وأمرتكم بالتحسس ونهيتكم عن اليأس من روح الله تعالى أني أعلم من الله ما لا تعلمون من حياة يوسف عليه السلام، واستظهر في البحر كونها مقول القول وهو كذلك.
قالُوا يا أَبانَا اسْتَغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا طلبوا منه عليه السلام الاستغفار، ونادوه بعنوان الأبوة تحريكا للعطف والشفقة وعللوا ذلك بقولهم: إِنَّا كُنَّا خاطِئِينَ أي ومن حق المعترف بذنبه أن يصفح عنه ويستغفر له، وكأنهم كانوا على ثقة من عفوه ولذلك اقتصروا على طلب الاستغفار وأدرجوا ذلك في الاستغفار، وقيل: حيث نادوه بذلك أرادوا ومن حق شفقتك علينا أن تستغفر لنا فإنه لولا ذلك لكنا هالكين لتعمد الإثم فمن ذا يرحمنا إذا لم ترحمنا وليس بذاك قالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ
روي عن ابن عباس مرفوعا أنه عليه السلام أخر الاستغفار لهم إلى السحر لأن الدعاء فيه مستجاب، وروي عنه أيضا كذلك أنه أخره إلى ليلة الجمعة (١) وجاء ذلك في حديث طويل رواه الترمذي وحسنه،
وقيل: سوفهم إلى قيام الليل، وقال ابن جبير وفرقة: إلى الليالي البيض فإن الدعاء فيها