يستجاب، وقال الشعبي: أخره حتى يسأل يوسف عليه السلام فإن عفا عنهم استغفر لهم، وقيل أخر ليعلم حالهم في صدق التوبة وتعقب بعضهم بعض هذه الأقوال بأن سوف تأبى ذلك لأنها أبلغ من السين في التنفيس فكان حقه على ذلك السين ورد بما في المغني من أن ما ذكر مذهب البصريين وغيرهم يسوي بينهما، وقال بعض المحققين: هذا غير وارد حتى يحتاج إلى الدفع لأن التنفيس التأخير مطلقا ولو أقل من ساعة فتأخيره إلى السحر مثلا ومضي ذلك اليوم محل للتنفيس بسوف، وقيل: أراد عليه السلام الدوام على الاستغفار لهم وهو مبني على أن السين وسوف يدلان على الاستمرار في المستقبل وفيه كلام للنحويين. نعم جاء في بعض الأخبار ما يدل على أنه عليه السلام استمر برهة من الزمان يستغفر لهم.
أخرج ابن جرير عن أنس بن مالك قال إن الله تعالى لما جمع شمله ببنيه وأقر عينه خلا ولده نجيا فقال بعضهم لبعض: لستم قد علمتم ما صنعتم وما لقي منكم الشيخ وما لقي منكم يوسف قالوا بلى قال فيغركم عفوهما عنكم فكيف لكم بربكم واستقام أمرهم على أن أتوا الشيخ فجلسوا بين يديه ويوسف إلى جنبه فقالوا يا أبانا أتيناك في أمر لم نأتك في مثله قط ونزل بنا أمر لم ينزل بنا مثله حتى حركوه والأنبياء عليهم السلام أرحم البرية فقال:
ما لكم يا بني؟ قالوا ألست قد علمت ما كان منا إليك وما كان منا إلى أخينا يوسف؟ قالا بلى قالوا أفلستما قد عفوتما؟
قالا بلى قالوا فإن عفو كما لا يغني عنا شيئا إن كان الله تعالى لم يعف عنا قال فما تريدون يا بني؟ قالوا: نريد أن تدعو الله سبحانه فإذا جاءك الوحي من عند الله تعالى بأنه قد عفا عما صنعنا قرت أعيننا واطمأنت قلوبنا وإلا فلا قرة عين في الدنيا لنا أبدا قال فقام الشيخ فاستقبل القبلة وقام يوسف عليه السلام خلفه وقاموا خلفهما أذلة خاشعين فدعا وأمن يوسف فلم يجب فيهم عشرين سنة حتى إذا كان رأس العشرين نزل جبريل على يعقوب عليهما السلام فقال: إن الله تعالى بعثني أبشرك بأنه قد أجاب دعوتك في ولدك وأنه قد عفا عما صنعوا وأنه قد عقد مواثيقهم من بعدك على النبوة،
قيل: وهذا إن صح دليل على نبوتهم وإن ما صدر منهم كان قبل استنبائهم، والحق عدم الصحة وقد مر تحقيق المقام بما فيه كفاية فتذكر.
وأخرج أبو الشيخ عن ابن عائشة قال: ما تيب على ولد يعقوب إلا بعد عشرين سنة وكان أبوهم بين يديهم فما تيب عليهم حتى نزل جبريل عليه السلام فعلمه هذا الدعاء «يا رجاء المؤمنين لا تقطع رجاءنا يا غياث المؤمنين أغثنا يا معين المؤمنين أعنا يا محب التوابين تب علينا»
فأخره إلى السحر فدعا به فتيب عليهم، وأخرج أبو عبيد وغيره عن ابن جريج أن ما سيأتي إن شاء الله متعلق بهذا وهو من تقديم القرآن وتأخيره والأصل سوف أستغفر لكم ربي إن شاء الله.
وأنت تعلم أن هذا مما لا ينبغي الالتفات إليه فإن ذاك من كلام يوسف عليه السلام بلا مرية ولا أدري ما الداعي إلى ارتكابه ولعله محض الجهل.
واعلم أنه ذكر بعض المتأخرين في الكلام على هذه الآية أن الصحيح أن أَسْتَغْفِرُ متعد إلى مفعولين يقال:
استغفرت الله الذنب، وقد نص على ذلك ابن هشام وقد حذف من اسْتَغْفِرْ لَنا أولهما، وذكر ثانيهما وعكس الأمر في سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ ولعل السر والله سبحانه أعلم أن حذف الأول من الأول لإرادة التعميم أي استغفر لنا كل من أذنبنا في حقه ليشمله سبحانه وتعالى ويشمل يوسف وبنيامين وغيرهما ولم يحذف الثاني أيضا تسجيلا على أنفسهم باقتراف الذنوب لأن المقام مقام الاعتراف بالخطأ والاستعطاف لما سلف فالمناسب هو التصريح، وأما إثباته في الثاني فلأنه الأصل مع التنبيه على أن الأهم الذي ينبغي أن يصرف إليه الهم ويمحض له الوجه هو استغفار الرب واستجلاب رضاه فإنه سبحانه إذا رضي أرضى، على أن يوسف وأخاه قد ظهرت منهما مخايل العفو وأدركتهما رقة الأخوة، وأما حذف الثاني منه فللإيجاز لكونه معلوما من الأول مع قرب العهد بذكره اه، ولعل التسويف على هذا ليزداد انقطاعهم إلى الله تعالى فيكون ذلك أرجى لحصول المقصود فتأمل فَلَمَّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ
روي أنه عليه السلام جهز