على السرير كما قال ابن عباس ومجاهد وغيرهما تكرم لهما فوق ما فعله بالإخوة وَخَرُّوا لَهُ أي أبواه وإخوته، وقيل: الضمير للإخوة فقط وليس بذاك فإن الرؤيا تقتضي أن يكون الأبوان والإخوة خروا له سُجَّداً أي على الجباه كما هو الظاهر، وهو كما قال أبو البقاء حال مقدرة لأن السجود يكون بعد الخرور وكان ذلك جائزا عندهم وهو جار مجرى التحية والتكرمة كالقيام والمصافحة وتقبيل اليد ونحوها من عادات الناس الفاشية في التعظيم والتوقير، قال قتادة: كان السجود تحية الملوك عندهم وأعطى الله تعالى هذه الأمة السلام تحية أهل الجنة كرامة منه تعالى عجلها لهم، وقيل: ما كان ذلك إلا إيماء بالرأس، وقيل: كان كالركوع البالغ دون وضع الجبهة على الأرض، وقيل: المراد به التواضع ويراد بالخرور المرور كما في قوله تعالى: وَالَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا وَعُمْياناً [الفرقان: ٧٣] فقد قيل: المراد لم يمروا عليها كذلك، وأنت تعلم أن اللفظ ظاهر في السقوط، وقيل:
ونسب لابن عباس أن المعنى خروا لأجل يوسف سجدا لله شكرا على ما أوزعهم من النعمة، وتعقب بأنه يرده قوله تعالى:
وَقالَ يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ إذ فيها رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ [يوسف: ٤] ، ودفع بأن القائل به يجعل اللام للتعليل فيهما، وقيل: اللام فيهما بمعنى إلى كما في صلى للكعبة، قال حسان:
ما كنت أعرف أن الدهر منصرف ... عن هاشم ثم منها عن أبي حسن
أليس أول من صلى لقبلتكم ... وأعرف الناس بالأشياء والسنن
وذكر الإمام أن القول بأن السجود كان لله تعالى لا ليوسف عليه السلام حسن، والدليل عليه أن قوله تعالى:
وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً مشعر بأنهم صعدوا ثم سجدوا ولو كان السجود ليوسف عليه السلام كان قبل الصعود والجلوس لأنه أدخل في التواضع بخلاف سجود الشكر لله تعالى، ومخالفة ظاهر الترتيب ظاهر المخالفة للظاهر، ودفع ما يرد عليه مما علمت بما علمت، ثم قال: وهو متعين عندي لأنه يبعد من عقل يوسف عليه السلام ودينه أن يرضى بأن يسجد له أبوه مع سابقته في حقوق الولادة والشيخوخة والعلم والدين وكمال النبوة. وأجيب بأن تأخير الخرور عن الرفع ليس بنص في المقصود لأن الترتيب الذكري لا يجب كونه على وفق الترتيب الوقوعي فلعل تأخيره عنه ليتصل به. ذكر كونه تعبير الرؤياء وما يتصل به، وبأنه يحتمل أن يكون الله تعالى قد أمر يعقوب بذلك لحكمة لا يعلمها إلا هو وكان يوسف عليه السلام عالما بالأمر فلم يسعه إلا السكوت والتسليم، وكأن في قوله: يا أَبَتِ [يوسف: ٤] إلخ إشارة إلى ذلك كأنه يقول: يا أبت لا يليق بمثلك على جلالتك في العلم والدين والنبوة أن تسجد لولدك إلا أن هذا أمر أمرت به وتكليف كلفت به فإن رؤيا الأنبياء حق كما أن رؤيا إبراهيم ذبح ولده صار سببا لوجوب الذبح في اليقظة. ولذا جاء عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه عليه السلام لما رأى سجود أبويه وإخوته له هاله ذلك واقشعر جلده منه، ولا يبعد أن يكون ذلك من تمام تشديد الله تعالى على يعقوب عليه السلام كأنه قيل له:
أنت كنت دائم الرغبة في وصاله والحزن على فراقه فإذا وجدته فاسجد له. ويحتمل أيضا أنه عليه السلام إنما فعله مع عظم قدره لتتبعه الاخوة فيه لأن الأنفة ربما حملتهم على الأنفة منه فيجر إلى ثوران الأحقاد القديمة وعدم عفو يوسف عليه السلام. ولا يخفى أن الجواب عن الأول لا يفيد لما علمت أن مبناه موافقة الظاهر. والاحتمالات المذكورة في الجواب عن الثاني قد ذكرها أيضا الإمام وهي كما ترى، وأحسنها احتمال أن الله تعالى قد أمره بذلك لحكمة لا يعلمها إلا هو. ومن الناس من ذهب إلى أن ذلك السجود لم يكن إلا من الاخوة فرارا من نسبته إلى يعقوب عليه السلام لما علمت، وقد رد بما أشرنا إليه أولا من أن الرؤيا تستدعي العموم، وقد أجاب عن ذلك الإمام بأن تعبير الرؤيا