للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المجتمع في الفم ولا شك أنه مستقذر في نفسه ثم حينما يصل إلى المعدة يظهر فيه الاستحالة والتعفن ومع ذا يشارك الإنسان فيه الحيوانات الخسيسة فيلتذ الجعل بالروث التذاذ الإنسان باللوزينج، وقد قال العقلاء: من كان همته ما يدخل في بطنه فقيمته ما يخرج من بطنه، والجماع نهاية ما يقال فيه: إنه إخراج فضلة متولدة من الطعام بمعونة جلدة مدبوغة بالبول ودم الحيض والنفاس مع حركات لو رأيتها من غيرك لأضحكتك، وفيه أيضا تلك المشاركة وغاية ما يرجى من ذلك تحصيل الولد الذي يجر إلى شغل البال والتحيل لجمع المال ونحو ذلك، والرياسة إذا لم يكن فيها سوى أنها على شرف الزوال في كل آن لكثرة من ينازع فيها ويطمح نظره إليها فصاحبها لم يزل خائفا وجلا من ذلك لكفاها عيبا، وقد يقال أيضا: إن النفس خلقت مجبولة على طلب اللذات والعشق الشديد لها والرغبة التامة في الوصول إليها فما دام في هذه الحياة الجسمانية يكون طالبا لها وما دام كذلك فهو في عين الآفات ولجة الحسرات، وهذا اللازم مكروه والملزوم مثله فلهذا يتمنى العاقل زوال هذه الحياة الجسمانية ليستريح من ذلك النصب، ولله تعالى قول من قال:

ضجعة الموت رقدة يستريح الجسم فيها والعيش مثل السهاد وقال:

تعب كلها الحياة فما اعجب إلا من راغب في ازدياد

إن حزنا في ساعة الفوت أضعا ... ف سرور في ساعة الميلاد

وقد ذكر غير واحد أن تمني الموت حبا للقاء الله تعالى مما لا بأس به،

وقد روى الشيخان عن عائشة رضي الله تعالى عنها «من أحب لقاء الله تعالى أحب الله تعالى لقاءه» الحديث

نعم تمني الموت عند نزول البلاء منهي عنه

ففي الخبر لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به،

وقال قوم: إنه عليه السلام لم يتمن الموت وإنما عدد نعم الله تعالى عليه ثم دعا بأن تدوم تلك النعم في باقي عمره حتى إذا حان أجله قبضه على الإسلام وألحقه بالصالحين.

والحاصل أنه عليه السلام إنما طلب الموافاة على الإسلام لا الوفاة، ولا يرد على القولين أنه من المعلوم أن الأنبياء عليهم السلام لا يموتون إلا مسلمين إما لأن الإسلام هنا بمعنى الاستسلام لكل ما قضاه الله تعالى أو لأن ذلك بيان لأنه وإن لم يتخلف ليس إلا بإرادة الله تعالى ومشيئته (١) والذاهبون إلى الأول قالوا إنه عليه السلام لم يأت عليه أسبوع حتى توفاه الله تعالى وكان الحسن يذهب إلى القول الثاني ويقول: إنه عليه السلام عاش بعد هذا القول سنين كثيرة وروى المؤرخون أن يعقوب عليه السلام أقام مع يوسف أربعا وعشرين سنة ثم توفي وأوصى أن يدفن بالشام إلى جنب أبيه فذهب به ودفنه ثمت وعاش بعده ثلاثا وعشرين سنة وقيل: أكثر ثم تاقت نفسه إلى الملك المخلد فتمنى الموت فتوفاه الله تعالى طيبا طاهرا فتخاصم أهل مصر في مدفنه حتى هموا بالقتال فرأوا أن يجعلوه في صندوق من مرمر ويدفنوه في النيل بحيث يمر عليه الماء ثم يصل إلى مصر ليكونوا شرعا فيه ففعلوا ثم أراد موسى عليه السلام نقله إلى مدفن آبائه فأخرجه بعد أربعمائة سنة على ما قيل: من صندوق المرمر لثقله وجعله في تابوت من خشب ونقله إلى ذلك، وكان عمره مائة وعشرين سنة، وقيل: مائة وسبع سنين، وقد ولد له من امرأة العزيز إفرائيم وهو جد يوشع عليه السلام وميشا ورحمة زوجة أيوب عليه السلام، ولقد توارثت الفراعنة من العمالقة بعده مصر ولم يزل بنو إسرائيل تحت أيديهم على بقايا دين يوسف وآبائه عليهم السلام إلى أن بعث الله تعالى موسى عليه السلام فكان ما كان.


(١) والآية دليل لأهل السنة في أن الإيمان من الله تعالى كما قرره الامام فليراجع اه منه.

<<  <  ج: ص:  >  >>