للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حاضرا بين يدي أولاد يعقوب عليه السلام ما كرين فنفاه بقوله: وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ وإنما الذي يمكن أن يرتاب فيه المرتاب قبل التعرف هو تلقيه من أصحاب هذه القصة، وكان ظاهر الكلام أن ينفي ذلك فلما جعل المشكوك ما لا ريب فيه لأن كونه عليه الصلاة والسلام لم يلق أحدا ولا سمع كان عندهم كفلق الفجر جاء التهكم البالغ وصار حاصل المعنى قد علمتم يا مكابرة أنه لم يكن مشاهدا المن مضى من القرون الخالية وإنماركم لما أخبر به يفضي إلى أن تكابروا بأنه قد شاهد من مضى منهم، وهذا كقوله تعالى: أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهذا [الأنعام: ١٤٤] ومنه يظهر فائدة العدول عن أسلوب ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ إلى هذا الأسلوب وهو أبلغ مما ذكر أولا، وذكر لترك ذلك نكتة أخرى أيضا وهي أن المذكور مكرهم وما دبروه وهو مما أخفوه حتى لا يعلمه غيرهم فلا يمكن تعلمه من الغير ولا يخلو عن حسن، وأيّا ما كان ففي الآية إيذان بأن ما ذكر من النبأ هو الحق المطابق للواقع وما ينقله أهل الكتاب ليس على ما هو عليه: وَما أَكْثَرُ النَّاسِ الظاهر للعموم، وقال ابن عباس: إنهم أهل مكة وَلَوْ حَرَصْتَ أي على إيمانهم وبالغت في إظهار الآيات القاطعة الدالة على صدقك عليهم بِمُؤْمِنِينَ لتصميمهم على الكفر وإصرارهم على العناد حسبما اقتضاه استعدادهم و «حرص» من باب ضرب وعلم وكلاهما لغة فصيحة، وجواب لَوْ محذوف للعلم به، والجملة معترضة بين المبتدأ والخبر. قال ابن الأنباري: سألت قريش واليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قصة يوسف عليه السلام فنزلت مشروحة شرحا وافيا فأمل عليه الصلاة والسلام أن يكون ذلك سبب إسلامهم، وقيل: إنهم وعدوه أن يسلموا فلما لم يفعلوا عزاه تعالى بذلك. وقيل: إنها نزلت في المنافقين، وقيل: في النصارى، وقيل: في المشركين فقط، وقيل: في أهل الكتاب فقط وقيل: في الثنوية وَما تَسْئَلُهُمْ عَلَيْهِ أي هذا الإنباء أو جنسه أو القرآن، وأيّا ما كان فالضمير عائد على ما يفهم مما قبله (١) والمعنى ما تطلب منهم على تبليغه مِنْ أَجْرٍ أي جعل ما كما يفعله حملة الأخبار إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ أي ما هو إلا تذكير وعظة من الله تعالى لِلْعالَمِينَ كافة، والجملة كالتعليل لما قبلها (٢) لأن الوعظ العام ينافي أخذ الأجرة من البعض لأنه لا يختص بهم. وقيل: أريد انه ليس إلا عظة من الله سبحانه أمرت أن أبلغها فوجب علي ذلك فكيف أسأل أجرا على أداء الواجب وهو خلاف الظاهر، وعليه تكون الآية دليلا على حرمة أخذ الأجرة على أداء الواجبات. وقرأ مبشر بن عبيد «وما نسألهم» بالنون.

وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ أي وكم من آية قال الجلال السيوطي: إن «كأي» اسم ككم التكثيرية الخبرية في المعنى مركب من كاف التشبيه وأي الاستفهامية المنونة وحكيت، ولهذا جاز الوقف عليها بالنون لأن التنوين لما دخل في التركيب أشبه النون الأصلية ولذا رسم في المصحف نونا، ومن وقف عليها بحذفه اعتبر حكمة في الأصل، وقيل:

الكاف فيها هي الزائدة قال ابن عصفور: ألا ترى أنك لا تريد بها معنى التشبيه وهي مع ذا لازمة وغير متعلقة بشيء وأي مجرورها، وقيل: هي اسم بسيط واختاره أبو حيان قال: ويدل على ذلك تلاعب العرب بها في اللغات، وإفادتها للاستفهام نادر حتى أنكره الجمهور، ومنه قول أبي لابن مسعود: كأين تقرأ سورة الأحزاب آية؟ فقال: ثلاثا وسبعين، والغالب وقوعها خبرية ويلزمها الصدر فلا تجر خلافا لابن قتيبة. وابن عصفور ولا يحتاج إلى سماع، والقياس على كم يقتضي أن يضاف إليها ولا يحفظ ولا يخبر عنها إلا بجملة فعلية مصدرة بماض أو مضارع كما هنا، قال أبو حيان:

والقياس أن تكون في موضع نصب على المصدر أو الظرف أو خبر كان كما كان ذلك في كم. وفي البسيط أنها


(١) وقيل الضمير لدين الله تعالى اه منه.
(٢) ومن تأمل ظهر له أن كونه عظة للعالمين عامة فيه ما ينافي أن يسأل الاجر من غير وجه فما ألطف التعليل بذلك فتأمل اه منه.

<<  <  ج: ص:  >  >>