للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تكون مبتدأ وخبرا ومفعولا ويقال فيها: كائن بالمد بوزن اسم الفاعل من كان ساكنة النون وبذلك، قرأ ابن كثير «وكأ» بالقصر بوزن «عم» و «كأي» بوزن رمي وبه، قرأ ابن محيصن «وكييء» بتقديم الياء على الهمزة. وذكر صاحب اللوامح أن الحسن قرأ «وكي» بياء مكسورة من غير همز ولا ألف ولا تشديد و «آية» في موضع التمييز ومِنْ زائدة، وجر تمييز كأين بها دائمي أو أكثري، وقيل: هي مبينة للتمييز المقدر، والمراد من الآية الدليل الدال على وجود الصانع ووحدته وكمال علمه وقدرته، وهي وإن كانت مفردة لفظا لكنها في معنى الجمع أي آيات لمكان كائن، والمعنى وكأي عدد شئت من الآيات الدالة على صدق ما جئت به غير هذه الآية فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أي كائنة فيهما من الاجرام الفلكية وما فيها من النجوم وتغير أحوالها ومن الجبال والبحار وسائر ما في الأرض من العجائب الفائتة للحصر:

وفي كل شيء له آية ... تدل على أنه واحد

يَمُرُّونَ عَلَيْها يشاهدونها وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ غير متفكرين فيها ولا معتبرين بها، وفي هذا من تأكيد تعزيه صلى الله عليه وسلم وذم القوم ما فيه، والظاهر أن فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ في موضع الصفة- لآية- وجملة يَمُرُّونَ خبر كَأَيِّنْ كما أشرنا إليه سابقا وجوز العكس، وقرأ عكرمة وعمرو بن قائد وَالْأَرْضِ بالرفع على أن في السموات هو الخبر- لكأين- وَالْأَرْضِ مبتدأ خبره الجملة بعده ويكون ضمير عَلَيْها للأرض لا للآيات كما في القراءة المشهورة، وقرأ السدي وَالْأَرْضِ بالنصب على أنه مفعول بفعل محذوف يفسره يَمُرُّونَ وهو من الاشتغال المفسر بما يوافقه في المعنى وضمير عَلَيْها كما هو فيما قبل أي ويطؤون الأرض يمرون عليها، وجوز أن يقدر يطؤون ناصبا للأرض وجملة يَمُرُّونَ حال منها أو من ضمير عاملها.

وقرأ عبد الله «والأرض» بالرفع و «يمشون» بدل يَمُرُّونَ والمعنى على القراءات الثلاث أنهم يجيئون ويذهبون في الأرض ويرون آثار الأمم الهالكة وما فيها من الآيات والعبر ولا يتفكرون في ذلك.

وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ في إقرارهم (١) بوجوده تعالى وخالقيته إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ به سبحانه، والجملة في موضع الحال من الأكثر أي ما يؤمن أكثرهم إلا في حال إشراكهم. قال ابن عباس ومجاهد وعكرمة والشعبي وقتادة: هم أهل مكة آمنوا وأشركوا كانوا يقولون في تلبيتهم: لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك، ومن هنا

كان صلى الله عليه وسلم إذا سمع أحدهم يقول: لبيك لا شريك لك يقول له: قط قط

أي يكفيك ذلك ولا تزد إلا شريكا إلخ. وقيل: هم أولئك آمنوا لما غشيهم الدخان في سني القحط وعادوا إلى الشرك بعد كشفه. وعن ابن زيد وعكرمة وقتادة ومجاهد أيضا أن هؤلاء كفار العرب مطلقا أقروا بالخالق الرازق المميت وأشركوا بعبادة الأوثان والأصنام، وقيل: أشركوا بقولهم: الملائكة بنات الله سبحانه. وعن ابن عباس أيضا أنهم أهل الكتاب أقروا بالله تعالى وأشركوا به من حيث كفروا بنبيه صلى الله عليه وسلم أو من حيث عبدوا عزيزا والمسيح عليهما السلام.

وقيل: أشركوا بالتبني واتخاذهم أحبارهم ورهبانهم أربابا. وقيل: هم الكفار الذين يخلصون في الدعاء عند الشدة ويشركون إذا نجوا منها وروي ذلك عن عطاء، وقيل: هم الثنوية قالوا بالنور والظلمة. وقيل: هم المنافقون جهروا بالإيمان وأخفوا الكفر ونسب ذلك للبلخي، وعن الحبر أنهم المشبهة آمنوا مجملا وكفروا مفصلا. وعن الحسن أنهم المراءون بأعمالهم والرياء شرك خفي، وقيل: هم المناظرون إلى الأسباب المعتمدون عليها، وقيل: هم الذين


(١) اشارة الى أنه ايمان لساني إذ لا اعتقاد به مع الشرك اه منه.

<<  <  ج: ص:  >  >>