للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لو أسمعوا يعقوب بعض ملاحة ... في وجهه نسي الجمال اليوسفي

قالُوا تَاللَّهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهالِكِينَ هذا من الجهل بأحوال العشق وما عليه العاشقون فإن العاشق يتغذى بذكر معشوقه:

فإن تمنعوا ليلى وحسن حديثها ... فلن تمنعوا مني البكا والقوافيا

وإذا لم يستطع ذكره بلسانه كان مستغرقا بذكره إياه بجنانه:

غاب وفي قلبي له شاهد ... يولع إضماري بذكراه

مثلت الفكرة لي شخصه ... حتى كأني أتراءاه

وكيف يخوف العاشق بالهلاك في عشق محبوبه وهلاكه عين حياته كما قيل:

ولكن لدى الموت فيه صبابة ... حياة لمن أهوى علي بها الفضل

ومن لم يمت في حبه لم يعش به ... ودون اجتناء النحل ما جنت النحل

الَ إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ

أي أنا لا أشكو إلى غيره فإني أعلم غيرته سبحانه وتعالى على أحبابه وأنتم لا تعلمون ذلك، وأيضا من انقطع إليه تعالى كفاه ومن أناخ ببابه أعطاه، وأنشد ذو النون:

إذا ارتحل الكرام إليك يوما ... ليلتمسوك حالا بعد حال

فإن رحالنا حطت رضاء ... بحكمك عن حلول وارتحال

فسسنا كيف شئت ولا تكلنا ... إلى تدبيرنا يا ذا المعالي

وعلى هذا درج العاشقون إذا اشتد بهم الحال فزعوا إلى الملك المتعال، ومن ذلك:

إلى الله أشكو ما لقيت من الهجر ... ومن كثرة البلوى ومن ألم الصبر

ومن حرق بين الجوانح والحشا ... كجمر الغضا لا بل أحر من الجمر

وقد يقال: إنه عليه السلام إنما رفع قصة شكواه إلى عالم سره ونجواه استرواحا مما يجده بتلك المناجاة كما قيل:

إذا ما تمنى الناس روحا وراحة ... تمنيت أن أشكو إليه فيسمع

يا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ كأنه عليه السلام تنسم نسائم الفرج بعد أن رفع الأمر إلى مولاه عز وجل فقال ذلك: وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ من رحمته بإرجاعهما إلي أو من رحمته تعالى بتوفيق يوسف عليه السلام برفع خجالتكم إذا وجدتموه قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ أرادوا ضر المجاعة ولو أنهم علموا وأنصفوا لقصدوا ضر فراقك فإنه قد أضر بأبيهم وبهم وبأهلهم لو يعلمون:

كفى حزنا بالواله الصب أن يرى ... منازل من يهوى معطلة قفرا

واعلم أن فيما قاله إخوة يوسف له عليه السلام من هنا إلى الْمُتَصَدِّقِينَ تعليم آداب الدعاء والرجوع إلى الأكابر ومخاطبة السادات فمن لم يرجع إلى باب سيده بالذلة والافتقار وتذليل النفس وتصغير ما يبدو منها ويرى أن ما من سيده إليه على طريق الصدقة والفضل لا على طريق الاستحقاق كان مبعدا مطرودا، وينبغي لعشاق جمال القدم إذا دخلوا الحضرة أن يقولوا: يا أيها العزيز مسنا وأهلنا من ضر فراقك والبعد عن ساحة وصالك ما لا يحتمله الصم الصلاب.

<<  <  ج: ص:  >  >>