للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خليلي ما ألقاه في الحب إن يدم ... على صخرة صماء ينفلق الصخر

ويقولوا: جِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ من أعمال معلولة وأفعال مغشوشة ومعرفة قليلة لم تحط بذرة من أنوار عظمتك وكل ذلك لا يليق بكمال عزتك وجلال صمديتك فَأَوْفِ لَنَا كيل قربك من بيادر جودك وفضلك وَتَصَدَّقْ عَلَيْنا بنعم مشاهدتك فإنه إذا عومل المخلوق بما عومل فمعاملة الخالق بذلك أولى قالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ خاطبوه بعد المعرفة بخطاب المودة لا بخطاب التكلف، وفيه من حسن الظن فيه عليه السلام ما فيه.

إذا صفت المودة بين قوم ... ودام ولاؤهم سمج الثناء

ويمكن أن يقال: إنهم لما عرفوه سقطت عنهم الهيبة وهاجت الحمية فلم يكلموه على النمط الأول، وقوله:

قالَ أَنَا يُوسُفُ وَهذا أَخِي جواب لهم لكن زيادة وَهذا أَخِي قيل: لتهوين حال بديهة الخجل، وقيل: للإشارة إلى أن إخوتهم لا تعد اخوة لأن الاخوة الصحيحة ما لم يكن فيها جفاء، ثم إنه عليه السلام لما رأى اعترافهم واعتذارهم قال: لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ وهذا من شرائط الكرم فالكريم إذا قدر عفا:

والعذر عند كرام الناس مقبول وقال شاه الكرماني: من نظر إلى الخلق بعين الحق لم يعبأ بمخالفتهم ومن نظر إليهم بعينه أفنى أيامه بمخاصمتهم، ألا ترى يوسف عليه السلام لما علم مجاري القضاء كيف عذر اخوته اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هذا فَأَلْقُوهُ عَلى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً لما علم عليه السلام أن أباه عليه السلام لا يحتمل الوصال الكلي بالبديهة جعل وصاله بالتدريج فأرسل إليه بقميصه، ولما كان مبدأ الهم الذي أصابه من القميص الذي جاؤوا عليه بدم كذب عين هذا القميص مبدأ للسرور دون غيره من آثاره عليه السلام ليدخل عليه السرور من الجهة التي دخل عليه الهم منها وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ كان كرم يوسف عليه السلام يقتضي أن يسير بنفسه إلى أبيه ولعله إنما لم يفعل لعلمه أن ذلك يشق على أبيه لكثرة من يسير معه ولا يمكن أن يسير إليه بدون ذلك أو لأن في ذلك تعطل أمر العامة وليس هناك من يقوم به غيره، ويحتمل أن يكون أوحى إليه بذلك لحكمة أخرى، وقيل: إن المعشوقية اقتضت ذلك، ومن رأى معشوقا رحيما بعاشقه؟، وفيه ما لا يخفى وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ يقال: إن ريح الصبا سألت الله تعالى فقالت: يا رب خصني أن أبشر يعقوب عليه السلام بابنه فأذن لها بذلك فحملت نشره إلى مشامه عليه السلام وكان ساجدا فرفع رأسه وقال ذلك وكان لسان حاله يقول:

أيا جبلي نعمان بالله خليا ... نسيم الصبا يخلص إلى نسيمها

أجد بردها أو تشف مني حرارة ... على كبد لم يبق إلا صميمها

فإن الصبا ريح إذا ما تنسمت ... على نفس مهموم تجلت همومها

وهكذا عشاق الحضرة لا يزالون يتعرضون لنفحات ريح وصال الأزل،

وقد قال عليه الصلاة والسلام: «إن لربكم في أيام دهركم نفحات ألا فتعرضوا لنفحات الرحمن»

ويقال: المؤمن المتحقق يجد نسيم الإيمان في قلبه وروح المعرفة السابقة له من الله تعالى في سره، وإنما وجد عليه السلام هذا الريح حيث بلغ الكتاب أجله ودنت أيام الوصال وحان تصرم أيام الهجر والبلبال وإلا فلم لم يجده عليه السلام لما كان يوسف في الجب ليس بينه وبينه إلا سويعة من نهار وما ذلك إلا لأن الأمور مرهونة بأوقاتها، وعلى هذا كشوفات الأولياء فإنهم آونة يكشف لهم على ما قيل اللوح المحفوظ، وأخرى لا يعرفون ما تحت أقدامهم فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ أَلْقاهُ عَلى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً فيه إشارة إلى

<<  <  ج: ص:  >  >>