المر أخرج ابن جرير، وأبو الشيخ عن ابن عباس أن معنى ذلك أنا الله أعلم وأرى وهو أحد أقوال مشهورة في مثل ذلك تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ جعل غير واحد الكتاب بمعنى السورة وهو بمعنى المكتوب صادق عليها من غير اعتبار تجوز، والإشارة إلى آياتها باعتبار أنها لتلاوة بعضها والبعض الآخر في معرض التلاوة صارت كالحاضرة أو لثبوتها في اللوح أو مع الملك، والمعنى تلك الآيات السورة الكاملة العجيبة في بابها، واستفيد هذا على ما قيل من اللام، وذلك أن الإضافة بيانية فالمآل ذلك الكتاب، والخبر إذا عرف بلام الجنس أفاد المبالغة وأن هذا المحكوم عليه اكتسب من الفضيلة ما يوجب جعله نفس الجنس وأنه ليس نوعا من أنواعه. وحيث إنه في الظاهر كالممتنع أريد ذلك.
وجوز أن يكون المراد بالكتاب القرآن، وتِلْكَ إشارة إلى آيات السورة، والمعنى آيات هذه السورة آيات القرآن الذي هو الكتاب العجيب الكامل الغني عن الوصف بذلك المعروف به من بين الكتب الحقيق باختصاص اسم الكتاب، والظاهر أن المراد جميعه. وجوز أن يراد به المنزل حينئذ، ورجح إرادة القرآن بأنه المتبادر من مطلق الكتاب المستغني عن النعت وبه يظهر جميع ما أريد من وصف الآيات بوصف ما أضيفت إليه من نعوت الكمال بخلاف ما إذا جعل عبارة عن السورة فإنها ليست بتلك المثابة من الشهرة في الاتصاف بذلك المغنية عن التصريح بالوصف وفيه بحث، وأيّا ما كان فلا محذور في حمل آيات الكتاب على تلك كما لا يخفى، وقيل: الإشارة- بتلك- إلى ما قص سبحانه عليه عليه الصلاة والسلام من أنباء الرسل عليهم السلام المشار إليها في آخر السورة المتقدمة بقوله سبحانه:
ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ [يوسف: ١٠٢] وجوز على هذا أن يراد بالكتاب ما يشمل التوراة والإنجيل، وأخرج ذلك ابن جرير عن مجاهد. وقتادة.
وجوز ابن عطية هذا على تقدير أن تكون الإشارة إلى- المر- مرادا بها حروف المعجم أيضا وجعل ذلك مبتدأ أولا وتِلْكَ مبتدأ ثانيا وآياتُ خبره والجملة خبر الأول والرابط اشارة، وأما قوله سبحانه وتعالى: وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ فالظاهر أن الموصول فيه مبتدأ وجملة أُنْزِلَ من الفعل ومرفوعه صلته ومِنْ رَبِّكَ متعلق- بأنزل- والْحَقُّ خبر، والمراد بالموصول عند كثير القرآن كله والكلام استدراك على وصف السورة فقط بالكمال، وفي أسلوبه قول فاطمة الأنمارية وقد قيل لها: أي بنيك أفضل؟ ربيع بل عمارة بل قيس بل أنس ثكلتهم إن كنت أعلم أيهم أفضل والله إنهم كالحلقة المفرغة لا يدرى أين طرفاها، وذلك كما أنها نفت التفاضل آخرا بإثبات الكمال لكل واحد دلالة على أن كمال كل لا يحيط به الوصف وهو إجمال بعد التفصيل لهذا الغرض، كذلك لما أثبت سبحانه لهذه السورة خصوصا الكمال استدركه بأن كل المنزل كذلك لا يختص به سورة دون أخرى للدلالة المذكورة، وهو على ما قيل معنى بديع ووجه بليغ ذكره صاحب الكشاف، وقيل: إنه لتقرير ما قبله والاستدلال عليه لأنه إذا كان كل المنزل عليه حقا فذلك المنزل أيضا حق ضرورة أنه من كل المنزل فهو كامل لأنه لا أكمل من الحق والصدق، ولخفاء أمر الاستدلال قال العلامة البيضاوي أنه كالحجة على ما قبله، ولعل الأول أولى ومع ذا لا يخلو عن خفاء أيضا، ولو قيل: المراد بالكمال فيما تقدم الكمال الراجع إلى الفصاحة والبلاغة ويكون ذلك وصفا للمشار إليه بالإعجاز من جهة ذلك، ويكون هذا وصفا له بخصوصه على تقدير أن يكون فيه وضع الظاهر موضع الضمير أو لما يشمله وغيره على تقدير أن لا يكون فيه ذلك بكونه حقا مطابقا للواقع إذ لا تستدعي الفصاحة والبلاغة الحقية كما يشهد به الرجوع إلى المقامات الحريرية لم يبعد كل البعد فتدبر.