للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجوز الحوفي كون مِنْ رَبِّكَ هو الخبر والْحَقُّ خبر مبتدأ محذوف أي هو الحق أو خبر بعد خبر أو كلاهما خبر واحد كما قيل في الرمان حلو حامض، وهو إعراب متكلف، وجوز أيضا كون الموصول في محل خفض عطفا على الْكِتابِ والْحَقُّ حينئذ خبر مبتدأ محذوف لا غير.

قيل: والعطف من عطف العام على الخاص أو إحدى الصفتين على الأخرى كما قالوا في قوله:

هو الملك القرم وابن الهمام البيت، وبعضهم يجعله من عطف الكل على الجزء أو من عطف أحد المترادفين على الآخر، ولكل وجهة، وإذا أريد بالكتاب ما روي عن مجاهد، وقتادة فأمر العطف ظاهر، وجوز أبو البقاء كون الَّذِي نعتا للكتاب بزيادة الواو في الصفة كما في: أتاني كتاب أبي حفص والفاروق والنازلين والطيبين، وتعقب بأن الذي ذكر في زيادة الواو للإلصاق خصه صاحب المغني بما إذا كان النعت جملة، ولم نر من ذكره في المفرد.

وأجاز الحوفي أيضا كون الموصول معطوفا على آياتُ وجعل الْحَقُّ نعتا له وهو كما ترى. ثم المقصود على تقدير أن يكون الْحَقُّ خبر مبتدأ مذكور أو محذوف قصر الحقية على المنزل لعراقته فيها وليس في ذلك ما يدل على أن ما عداه ليس بحق أصلا على أن حقيته مستتبعة لحقية سائر الكتب السماوية لكونه مصدقا لما بين يديه ومهيمنا عليه، وساق بعض نفاة القياس هذه الآية بناء على تضمنها الحصر في معرض الاستدلال على نفي ذلك فقالوا: الحكم المستنبط بالقياس غير منزل من عند الله تعالى وإلا لكان من يحكم به كافرا لقوله تعالى: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ [المائدة: ٤٤] وكل ما ليس منزلا من عند الله تعالى ليس بحق لهذه الآية لدلالتها على أن لا حق إلا ما أنزله الله تعالى، والمثبتون لذلك أبطلوا ما ذكروه في المقدمة الأولى بأن المراد بعدم الحكم الإنكار وعدم التصديق أو المراد من لم يحكم بشيء أصلا مما أنزل الله تعالى، ولا شك أنه من شأن للكفرة أو المراد بما أنزله هناك التوراة بقرينة ما قبله، ونحن غير متعبدين بها فيختص باليهود ويكون المراد الحكم بكفرهم إذ لم يحكموا بكتابهم، ونحن نقول بموجبه كما بين في شرح المواقف، وما ذكروه في المقدمة الثانية بأن المراد بالمنزل من الله تعالى ما يشمل الصريح وغيره فيدخل فيه القياس لاندراجه في حكم المقيس عليه المنزل من عنده سبحانه وقد جاء في المنزل صريحا فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ [الحشر: ٢] وهو دال على ما حقق في محله على حسن اتباع القياس على أنك قد علمت المقصود من الحصر.

ويحتمل أيضا على ما قيل أن يكون المراد هو الحق لا غيره من الكتب الغير المنزلة أو المنزلة إلى غيره بناء على تحريفها ونسخها، وقد يقال: إن دليلهم منقوض بالسنة والإجماع، والجواب الجواب، ولا يخفى ما في التعبير عن القرآن بالموصول وإسناد الإنزال إليه بصيغة ما لم يسم فاعله، والتعرض لوصف الربوبية مضافا إلى ضميره عليه الصلاة والسلام من الدلالة على فخامة المنزل وتشريف المنزل والإيماء إلى وجه بناء الخبر ما لا يخفى وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ قيل هم كفار مكة، وقيل: اليهود والنصارى والأولى أن يراد أكثرهم مطلقا لا يُؤْمِنُونَ بذلك الحق المبين لإخلالهم بالنظر والتأمل فيه فعدم إيمانهم كما قال شيخ الإسلام متعلق بعنوان حقيته لأنه المرجع للتصديق والتكذيب لا بعنوان كونه منزلا كما قيل ولأنه وارد على سبيل الوصف دون الاخبار اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ أي خلقهن مرتفعات على طريقة سبحان من كبر الفيل وصغر البعوض لا أنه سبحانه رفعها بعد إن لم تكن كذلك بِغَيْرِ عَمَدٍ أي دعائم، وهو اسم جمع عند الأكثر والمفرد عماد كاهاب وأهب يقال: عمدت الحائط أعمده عمدا إذا دعمته فاعتمد واستند، وقيل: المفرد عمود، وقد جاء أديم وأدم وقصيم وقصم، وفعيل وفعول يشتركان في كثير من الأحكام،

<<  <  ج: ص:  >  >>