وجوز أن يراد- بالدار- الآخرة أي لهم العقبى الحسنة في الدار الآخرة، وقيل: الجار والمجرور خبر اسم الإشارة و «عقبى» فاعل الاستقرار، وأيا ما كان فليس فيه قصر حتى يرد أن بعض ما في حيز الصلة ليس من العزائم التي يخل إخلالها بالوصول إلى حسن العاقبة.
وقال بعضهم: إن المراد مآل أولئك الجنة من غير تخلل بدخول النار فلا بأس لو قيل بالقصر، ولا يلزم عدم دخول الفاسق المعذب الجنة، والقول إنه موصوف بتلك الصفات في الجملة كما ترى. والجملة خبر للموصولات المتعاطفة أن رفعت بالابتداء أو استئناف نحو أو بياني في جواب ما بال الموصوفين بهذه الصفات؟ إن جعلت الموصولات المتعاطفة صفات- لأولي الألباب- على طريقة المدح من غير أن يقصد أن يكون للصلات المذكورة مدخل في التذكر، والأول أوجه لما في الكشف من رعاية التقابل بين الطائفتين، وحسن العطف في قوله تعالى:
وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ وجريهما على استئناف الوصف للعالم ومن هو كأعمى، وقوله سبحانه: جَنَّاتُ عَدْنٍ بدل من عقبى الدار كما قال الزجاج بدل كل من كل، وجوز أبو البقاء. وغيره أن يكون مبتدأ خبره قوله تعالى: يَدْخُلُونَها وتعقب بأنه بعيد عن المقام، والأولى أن يكون مبتدأ محذوف كما ذكر في البحر، ورد بأنه لا وجه له لأن الجملة بيان لعقبى الدار فهو مناسب للمقام، والعدن الإقامة والاستقرار يقال: عدن بمكان كذا إذا استقر، ومنه المعدن لمستقر الجواهر أي جنات يقيمون فيها، وأخرج غير واحد عن ابن مسعود أنه قال:«جنات عدن» بطنان الجنة أي وسطها، وروي نحو ذلك عن الضحاك إلا أنه قال: هي مدينة وسط الجنة فيها الأنبياء والشهداء وأئمة الهدى، وجاء فيها غير ذلك من الأخبار، ومتى أريد منها مكان مخصوص من الجنة كان البدل بدل بعض من كل. وقرأ النخعي «جنة» بالإفراد، وروي عن ابن كثير وأبي عمرو «يدخلونها» مبنيا للمفعول وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ جمع أبوي كل واحد منهم فكأنه قيل: من آبائهم وأمهاتهم وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وهو كما قال أبو البقاء عطف على المرفوع في- يدخلون- وإنما ساغ ذلك مع عدم التأكيد للفصل بالضمير الآخر، وجوز أن يكون مفعولا معه. واعترض بأن واو المعية لا تدخل إلا على المتبوع. ورد بأن هذا إنما ذكر في مع لا في الواو وفيه نظر، والمعنى أنه يلحق بهم من صلح من أهليهم وإن لم يبلغ مبلغ فضلهم تبعا لهم تعظيما لشأنهم. أخرج ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عن ابن جبير قال: يدخل الرجل الجنة فيقول: أين أمي أين ولدي أين زوجتي؟ فيقال: لم يعملوا مثل عملك فيقول: كنت أعمل لي ولهم ثم قرأ الآية، وفسر «من صلح» بمن آمن وهو المروي عن مجاهد وروي ذلك عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وفسر ذلك الزجاج بمن آمن وعمل صالحا، وذكر أنه تعالى بين بذلك أن الأنساب لا تنفع إذا لم يكن معها أعمال صالحة بل الآباء والأزواج والذرية لا يدخلون الجنة إلا بالأعمال الصالحة. ورد عليه الواحدي فقال: الصحيح ما روي عن ابن عباس لأن الله تعالى جعل من ثواب المطيع سروره بحضور أهله معه في الجنة، وذلك يدل على أنهم يدخلونها كرامة للمطيع الآتي بالأعمال الصالحة فلو دخلوها بأعمالهم لم يكن في ذلك كرامة للمطيع ولا فائدة في الوعد به إذ كل من كان مصلحا في عمله فهو يدخل الجنة. وضعف ذلك الإمام بأن المقصود بشارة المطيع بكل ما يزيده سرورا وبهجة فإذا بشر الله تعالى المكلف بأنه إذا دخل الجنة يحضر معه أهله يعظم سروره وتقوى بهجته. ويقال: إن من أعظم سرورهم أن يجتمعوا فيتذاكروا أحوالهم في الدنيا ثم يشكرون الله تعالى على الخلاص منها، ولذلك حكى سبحانه عن بعض أهل الجنة أنه يقول:«يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين» وعلى هذا لا تكون الآية دليلا على أن الدرجة تعلو بالشفاعة. ومنهم من استدل بها على ذلك على المعنى الأول لها.
وتعقب بأنها أيضا لا دلالة لها على ما ذكر. وأجيب بأنه إذا جاز أن تعلو بمجرد التبعية للكاملين في الإيمان تعظيما لشأنهم فالعلو بشفاعتهم معلوم بالطريق الأولى. وقال بعضهم: إنهم لما كانوا بصلاحهم مستحقين لدخول