مبتدأ وعمادا «فأربى» إما مرفوع أو منصوب وأنت تعلم أن البصريين لا يجوزون كون هِيَ عماد التنكير أُمَّةٌ.
وزعم بعض الشيعة أن هذه الآية قد حرفت وأصلها أن تكون أئمة هي أزكى من أئمتكم ولعمري قد ضلوا سواء السبيل إِنَّما يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ الضمير المجرور عائد إما على المصدر المنسبك من أَنْ تَكُونَ أو على المصدر المنفهم من أَرْبى وهو الربو بمعنى الزيادة، وقول ابن جبير. وابن السائب. ومقاتل يعني بالكثرة مرادهم منه هذا واكتفوا ببيان حاصل المعنى، وظن ابن الأنباري أنهم أرادوا أن الضمير راجع إلى نفس الكثرة لكن لما كان تأنيثها غير حقيقي صح التذكير وهو كما ترى، وقيل: إنه لأربى لتأويله بالكثير، وقيل للأمر بالوفاء المدلول عليه بقوله تعالى- وأوفوا- إلخ ولا حاجة إلى جعله منفهما من النهي عن الغدر بالعهد واختار بعضهم الأول لأنه أسرع تبادرا أي يعاملكم معاملة المختبر بذلك الكون لينظر أتتمسكون بحبل الوفاء بعهد الله تعالى وبيعة رسوله عليه الصلاة والسلام أم تغترون بكثرة قريش وشوكتهم وقلة المؤمنين وضعفهم بحسب ظاهر الحال وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ فيجازيكم بأعمالكم ثوابا وعقابا وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أيها الناس أُمَّةً واحِدَةً متفقة على الإسلام وَلكِنْ لا يشاء ذلك رعاية للحكمة بل يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ إضلاله بأن يخلق فيه الضلال حسبما يصرف اختياره التابع لاستعداده له وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ هدايته حسبما يصرف اختياره التابع لاستعداده لتحصيلها وَلَتُسْئَلُنَّ جميعا يوم القيامة سؤال محاسبة ومجازاة لا سؤال استفسار وتفهم عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ تستمرون على عمله في الدنيا بقدركم المؤثرة بإذن الله تعالى، والآية ظاهرة في أن مشيئة الله تعالى لا سلام الخلق كلهم ما وقعت وأنه سبحانه إنما شاء منهم الافتراق والاختلاف، فإيمان وكفر وتصديق وتكذيب ووقع الأمر كما شاء جل وعلا، والمعتزلة ينكرون كون الضلال بمشيئته تعالى ويزعمون أنه سبحانه إنما شاء من الجميع الإيمان ووقع خلاف ما شاء عز شأنه وأجاب الزمخشري عن الآية بأن المعنى لو شاء على طريقة الإلجاء والقسر لجعلكم أمة واحدة مسلمة فإنه سبحانه قادر على ذلك لكن اقتضت الحكمة أن يضل ويخذل من يشاء ممن علم سبحانه أنه يختار الكفر ويصمم عليه ويهدي من يشاء بأن يلطف بمن علم أنه يختار الإيمان، والحاصل أنه تعالى بنى الأمر على الاختيار وعلى ما يستحق به اللطف والخذلان والثواب والعقاب ولم ينبه على الإجبار الذي لا يستحق به شيء ولو كان العبيد مضطرين للهداية والضلال لما أثبت سبحانه لهم عملا يسئلون عنه بقوله: وَلَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ اه، وللعسكري نحوه، وقد قدمنا لك غير مرة أن المذهب الحق على ما بينه علامة المتأخرين الكوراني وألف فيه عدة رسائل أن للعبد قدرة مؤثرة بإذن الله تعالى لا إنه لا قدرة له أصلا كما يقول الجبرية ولا أن له قدرة مقارنة غير مؤثرة كما هو المشهور عند الأشعري ولا أن له قدرة مؤثرة وإن لم يؤذن لله تعالى كما يقول المعتزلة وإن له اختيارا أعطيه بعد طلب استعداده الثابت في علم الله تعالى له فللعبد في هذا المذهب اختيار والعبد مجبور فيه بمعنى أنه لا بد من أن يكون له لأن استعداده الأزلي الغير المجعول قد طلبه من الجواد المطلق والحكيم الذي يضع الأشياء في مواضعها والإثابة والتعذيب إنما يترتبان على الاستعداد للخير والشر الثابت في نفس الأمر والخير والشر يدلان على ذلك نحو دلالة الأثر على المؤثرة والغاية على ذي الغاية وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ومن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه.
وقال ابن المنير: إن أهل السنة عن الإجبار بمعزل لأنهم يثبتون للعبد قدرة واختيارا وأفعالا وهم مع ذلك يوحدون الله تعالى حق توحيده فيجعلون قدرته سبحانه هي الموجدة والمؤثرة وقدرة العبد مقارنة فحسب وبذلك يميز بين الاختياري والقسري وتقوم حجة الله تعالى على عباده اه وهذا هو المشهور من مذهب الأشعرية وهو كما ترى، وسيأتي ان شاء الله تعالى تمام الكلام في هذا المقام وما فيه من النقض والإبرام.