أن لا، وقيل: إنه جواب قسم دل عليه الكلام، أي حلفناهم لا تعبدون، أو جواب الميثاق نفسه لأن له حكم القسم، وعليه يخلو الكلام عما مر في وجه رجحان الأول، وقرأ نافع، وابن عامر، وأبو عمرو، وعاصم، ويعقوب- بالتاء- حكاية لما خوطبوا به والباقون- بالياء- لأنهم غيب، وفي الآية حينئذ التفاتان في- لفظ الجلالة- ويعبدون.
وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً متعلق بمضمر تقديره وتحسنون، أو أحسنوا، والجملة معطوفة على تعبدون وجوّز تعلقه ب إِحْساناً وهو يتعدى بالباء، وإلى أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ [يوسف: ١٠٠] وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ [القصص: ٧٧] ومنع تقدم معمول المصدر عليه مطلقا ممنوع، ومن المعربين من قدر استوصوا ف «بالوالدين» متعلق به و «إحسانا» مفعوله، ومنهم من قدر ووصيناهم فإحسانا مفعول لأجله، والوالدان تثنية والد لأنه يطلق على الأب والأم أو تغليب بناء على أنه لا يقال إلا للأب كما ذهب إليه الحلبي، وقد دلت الآية على الحث ببر الوالدين وإكرامهما، والآيات والأحاديث في ذلك كثيرة، وناهيك احتفالا بهما أن الله عز اسمه قرن ذلك بعبادته.
وَذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ عطف على «الوالدين» والْقُرْبى مصدر كالرجعى- والألف- فيه للتأنيث وهي قرابة الرحم والصلب. وَالْيَتامى وزنه فعالى- وألفه- للتأنيث، وهو جمع يتيم كنديم وندامى، ولا ينقاس، ويجمع على أيتام. واليتم أصل معناه الانفراد، ومنه الدرة اليتيمة، وقال ثعلب: الغفلة، وسمي اليتيم يتيما لأنه يتغافل عن بره، وقال أبو عمرو: الإبطاء لإبطاء البر عنه، وهو في الآدميين من قبل الآباء- ولا يتم بعد بلوغ- وفي البهائم من قبل الأمهات، وفي الطيور من جهتهما. وحكى الماوردي أنه يقال في الآدميين لمن فقدت أمه أيضا- والأول هو المعروف وَالْمَساكِينِ جمع مسكين على وزن مفعيل مشتق من السكون، كأن الحاجة أسكنته- فالميم- زائدة كمحضر من الحضور، وروي تمسكن فلان- والأصح تسكن أي صار مسكينا- والفرق بينه وبين الفقير معروف- وسيأتي إن شاء الله تعالى- وقد جاء هذا الترتيب اعتناء بالأوكد فالأوكد، فبدأ ب بِالْوالِدَيْنِ إذ لا يخفى تقدمهما على كل أحد في الإحسان إليهما، ثم ب ذِي الْقُرْبى لأن صلة الأرحام مؤكدة، ولمشاركة بِالْوالِدَيْنِ في القرابة وكونهما منشأ لها وقد ورد في الأثر أن الله تعالى خاطب الرحم فقال: أنت الرحم وأنا الرحمن أصل من وصلك وأقطع من قطعك ثم باليتامى لأنهم لا قدرة لهم تامة على الاكتساب،
وقد جاء «أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين»
وأشار صلّى الله عليه وسلّم إلى السبابة والوسطى وتأخرت درجة الْمَساكِينِ لأن المسكين يمكنه أن يتعهد نفسه بالاستخدام ويصلح معيشته مهما أمكن بخلاف اليتيم- فإنه لصغره لا ينتفع به- ويحتاج إلى من ينفعه، وأفرد ذِي الْقُرْبى - كما في البحر- لأنه أريد به الجنس، ولأن إضافته إلى المصدر يندرج فيه كل ذي قرابة، وكأن فيه إشارة إلى أن ذوي القربى- وإن كثروا- كشيء واحد لا ينبغي أن يضجر من الإحسان إليهم وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً أي قولا حسنا- سماه به للمبالغة- وقيل: هو لغة في الحسن كالبخل والبخل والرشد والرشد، والعرب والعرب، والمراد قولوا لهم القول الطيب وجاوبوهم بأحسن ما يحبون- قاله أبو العالية- وقال سفيان الثوري: مروهم بالمعروف وانهوهم عن المنكر، وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: قولوا لهم لا إله إلا الله مروهم بها، وقال ابن جريج: أعلموهم بما في كتابكم من صفة رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلم- وقول أبي العالية في المرتبة العالية- والظاهر أن هذا الأمر من جملة الميثاق المأخوذ على بني إسرائيل: ومن قال: إن المخاطب به الأمة وهو محكم أو منسوخ بآية السيف أو إن لناس مخصوص بصالحي المؤمنين إذ لا يكون القول الحسن مع الكفار والفساق لأنا أمرنا بلعنهم وذمهم ومحاربتهم فقد أبعد- وقرأ حمزة والكسائي ويعقوب «حسنا» - بفتحتين- وعطاء وعيسى- بضمتين- وهي لغة الحجاز وأبو